تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 03 - 2009, 08:08 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

وقاتلوا: أمر يفيد الوجوب على بابه، وقد علق الحكم على وصف الإشراك بالله، عز وجل، وهو شاهد لمذهب الشافعي، رحمه الله، بأن علة قتال المشركين: الشرك، لا اعتداؤهم على المسلمين ابتداء، فيجب على المسلمين متى ما توفرت لديهم أسباب جهاد الطلب أن يقاتلوا المشركين فلا يقبلوا إلا الإسلام أو الجزية عن يد صاغرة أو السيف، وسبقت الإشارة إلى ذلك في مداخلة سابقة على نفس النافذة.

كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً: مشاكلة في اللفظ والمعنى فكما يقاتلونكم كافة فالواجب عليكم قتالهم كافة، فإن السنة الكونية جارية بحتمية الصدام بين الحق والباطل، وإن تهادنا حينا، فكما قاتلوكم ويقاتلونكم وسيقاتلونكم على قلب رجل واحد، وإن اختلفت مللهم ونحلهم، فالواجب عليكم قتالهم أيضا مجتمعين على قلب رجل واحد.

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ: توكيد بـ: "إن" وما دخلت عليه، فقد سدت مسد مفعولي: "اعلموا"، في مقام النصرة والتأييد يناسب السياق، فهو أبلغ من قولك في غير القرآن: واعلموا كينونة معية الله، عز وجل، المعية الخاصة مع عباده المتقين، في قتالهم المشركين كائنةً، والتذييل المعنوي بتلك المعية الخاصة: معية النصرة والتأييد، مما يلائم السياق كما تقدم، إذ المقاتل بحاجة إلى معونة الرب القاهر، جل وعلا، فإن الله، عز وجل، ناصر عباده الموحدين على أعدائهم من المشركين بصفات جلاله القاهرة، فلا يؤيد بنصره إلا من حقق وصف التقوى الذي علق عليه حكم المعية، وفي الآية: إظهار في موضع الإضمار، إذ القياس في غير التنزيل: واعلموا أن الله معكم، ولكنه عدل عن الإضمار إلى الإظهار بمشتق: "المتقين"، بيانا لتعلق الحكم بالوصف الذي اشتق منه، وهو وصف التقوى، كما تقدم، وذلك، كما تقرر في الأصول، قائم مقام التعليل للحكم، إذ علق على وصف بعينه، فلزم أن يكون ذلك الوصف مناطه، وإلا كان الكلام معيبا، وذلك مما يتنزه عنه الرب جل وعلا.

والكلام ترغيب بمنطوقه فالله، عز وجل، ناصر المتقين، ترهيب بمفهومه فهو خاذل الفجار المارقين، ففيه من الطرد والعكس ما اطرد في آي الكتاب العزيز، فمن اتصف بالتقوى اطردت معية النصرة الخاصة في حقه، ومن اتصف بضدها اطرد ضدها من الخذلان في حقه، وكل ميسر لما خلق له.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 03 - 2009, 07:58 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)

جاء المبتدأ على صيغة الموصول مئنة من تعلق حكم الخبر على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، وهو: "الجهاد"، كما تقرر مرارا، وفيه بيان بعد إجمال يسترعي انتباه السامع، وهو أعم من جهة المعنى من القتال، فكل قتال في سبيل الله، جهاد، ولا عكس، وإن كان الجهاد بالمال والنفس من آكد أنواع الجهاد، حتى صار هو المتبادر إلى الذهن عند إطلاق الجهاد حتى ترد قرينة تصرفه إلى غيره، أو لا تمنع دخول غيره معه، كما هو الحال في هذه الآية، إذ السياق لا يمنع دخول كل صور الجهاد في سبيل الله، في حكم الآية من جهاد النفس بطلب العلم الشرعي والعمل به وتعليمه، وجهاد الغير بالصبر على أذاهم حال نشر الحق وتعليم الخير، فإن شياطين الإنس لن يدعوا داعيا إلى الحق دون أن يناله من أذاهم ما يناله، سنة كونية جارية، مصداق قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، وذلك من آكد المواضع التي ينبغي سؤال الله، عز وجل، فيها العافية في الأديان والأبدان.

فِينَا: مجاز بالحذف عند من يقول بالمجاز، أو إيجاز بالحذف إذ تقدير الكلام: في سبيلنا، ومنكر المجاز يرى ذلك تكلفا إذ قد أبان السياق عن المراد بداهة.

لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا: توكيد الحكم بإيراده جملة قسمية إنشائية، على مذهب من يجوز وقوع الخبر قسما، والمقام مقام: تثبيت للمجاهدين ليلزموا الصبر على مشقة الجهاد، فناسب أن يؤكد بالقسم الذي دلت عليه اللام الموطئة في: "لنهدينهم"، فضلا عن دخول نون التوكيد المثقلة عليه، ومن يمنع وقوع الخبر قسما، لا يماري فيما أورد من مؤكدات، ولكنه يقدر محذوفا يصح وقوعه خبرا قولا واحدا، فتصير المسألة عنده من مجاز الحذف، أيضا، بتقدير ما يلائم السياق على مذهبه، نحو: والذين جاهدوا فينا مقول فيهم: لنهدينهم سبلنا.

وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ: معية نصرة وتأييد، وردت في سياق مؤكد بـ: "إن" واللام المزحلقة في خبر الناسخ المؤكد معلقة على وصف الإحسان، الذي أظهر في موضع الإضمار عناية بشأنه، كما تقدم، في المداخلة السابقة، في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير