ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 03 - 2009, 08:08 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)
حذف الفاعل للعلم به فإن الآيات الشرعيات لا ينزلها إلا رب البريات جل وعلا، والآيات الكونيات لا تجري إلا بكلماته التكوينيات النافذات، فهو مدبر الكون مقرر الشرع تبارك وتعالى.
و: "أن": تفسيرية، إذ مجمل ما قبلها قد فسره ما بعدها، فالآية الشرعية قد نزلت بالتكليف الإلهي فرعا عن التدبير الرباني، فإن من له ملك هذا الكون، وفيه تنفذ أحكامه القدرية، هو الذي يقرر ما شاء من الشرائع الحكمية، لتحفظ بها الأديان، وتساس بها الأبدان.
آمنوا بالله: أمر على بابه يفيد الوجوب والتكرار المستغرق لحياة المكلف بقرينة تعلق النجاة بامتثاله، فلا ينفك العبد عن تحصيل أسبابه، بتصديق الأخبار وامتثال الأحكام.
وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ: عطف خاص على عام تنويها بذكره، وهو في نفس الوقت من التلازم بمكان، إذ لا ينفك الإيمان عن جهاد في سبيل نصرته، وإعلاء كلمته، ولا يكون ذلك إلا مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حال حياته، وعلى سنته بعد وفاته، فالمعية: معية لذاته الشريفة حال حياته، ومعية لشرعه بعد وفاته، نصرة لدينه، وذبا عن عرضه، فبذلك يكون علو الذكر، فلكل مجاهد في سبيل نشر دينه وتقرير شرعه نصيب من قوله تعالى: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)، كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام رحمه الله.
وأما المنافقون فلهم ضد ذلك من خمول الذكر، وسوء المنقلب في الأولى والآخرة، فمع سعتهم وقدرتهم: (قَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)، وقد حذف متعلق الاستئذان، لدلالة العطف التفسيري بـ: "و" عليه، إذ تقدير الكلام: استأذنوك في القعود، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فلما وردت مادة القعود في الجملة المفسرة: "قَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ"، دل المتأخر على المتقدم، فحذف إيجازا، والحذف بالإيجاز مئنة من بلاغة المتكلم كما قد علم من كلام البلاغيين.
وفي السياق حذف آخر، إذ حذف الشرط الذي جزم الفعل: "نكن" في جوابه، انتقالا إلى مرادهم، وفي ذلك تعريض بهم لظهور تعجلهم في الطلب، وما أخسه من طلب، فالنفوس قد ارتضت المهانة بالكينونة مع النساء والذريات وأصحاب الأعذار والحاجات.
والله أعلى وأعلم.
ـ[تلميذه]ــــــــ[25 - 03 - 2009, 10:38 ص]ـ
ما شاء الله
خطاب وإعراب ..
سآتي هنا كثيراً
ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 03 - 2009, 08:17 ص]ـ
جزاك الله خيرا على المرور والتعليق، ونفعك ونفع بك، ويسر لك أمر الدين والدنيا.
ومن قوله تعالى: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)
ففيه إطناب في ذمهم بإيراد وصف السوء الذي قام بهم، إذ رضوا بالكينونة مع الخوالف، وهن النساء الجالسات في الخيام، وإنما أطلق عليهم ذلك من باب المجاز، عند من يقول به، فالعرب، قد سمت الخيام باسم الخوالف، وهي الأوتاد التي تقوم عليها، ففيه مجاز الجزئية، إذ أطلق الجزء وأراد الكل، وإنما خص الوتد بذلك، لكونه عند التحقيق، الجزء الذي يقوم به الكل، فنزل منزلته، ومن ثم أطلقت الخوالف على ساكنيها، من باب المجاز المرسل الذي علاقته المحلية، إذ أطلق المحل وأراد الحال فيه، كما سمت العرب المرأة بالظعينة، فأطلقت المحل، وهو الهودج، وأرادت الحال فيه. ففي الكلام على هذا القول: مجاز بعد مجاز.
ومنكر المجاز يرد الأمر إلى استعمال العرب للكلمة لا لأصل وضعها، فقد صار إطلاق الخوالف على النساء مشتهرا، فلو سلم بأنه مجاز، فهو مجاز مشتهر نزل منزلة الحقيقة العرفية المتداولة وهي مقدمة بالإجماع على الحقيقة اللغوية، فآل الأمر إلى تعارض بين حقيقتين قدم أشهرهما وأكثرهما جريانا على لسان العرب، وطالما اشتهر اللفظ وجرت به الألسنة، فهو حقيقة إذ يتبادر منه معنى تدركه الأذهان ابتداء دون تكلف المجاز بعلاقاته المتشعبة وقرائنه العقلية.
وهذه محاججة مطردة بين الفريقين في كل موضع يقع الخلاف في وقوع المجاز فيه من عدمه.
¥