تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ: إشارة بالبعيد تشريفا، فلهم من المنازل أعلاها، وقدم متعلق الخبر: "لهم" حصرا وتوكيدا، و: "أل" في الخيرات: جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فعموم الخيرات كثرة: كيفا وكما، استفيد منها، وإن دخلت على جمع مؤنث سالم يفيد بأصل الوضع القلة.

وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: إطناب بتكرار ذكر المسند إليه: "أولئك" في معرض الثناء بالوعد الحسن، فذلك مظنته، مع توكيد وصفهم بالفلاح بضمير الفصل: "هم": ففيه نوع قصر واختصاص، فهم، ومن سار على طريقتهم: المفلحون لا غير، فالعموم مستفاد من المعنى، وإن تعلق اللفظ بهم ابتداء، فهم أولى الناس بخطاب المواجهة لأنهم أشد الناس امتثالا لمضمونه، فلا يمنع ذلك من دخول غيرهم معهم فيه، إن امتثلوا مضمونه امتثالهم، أو قريبا من امتثالهم، إن شئت الدقة، فهم ذروة سنام طباق الأمة، فلا مطمع في درك منزلتهم، ولا مطمح في نيل رتبتهم، فهم السابقون الأولون، ومن بعدهم: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، فاتباعهم بإحسان شرط في حصول النجاة، والمتبعون لهم المقتفون لآثارهم على تفاوت في ذلك لا يعلمه إلا الله، فمن مقل معرض ومن مستكثر مقبل. والسير على الطريقة المثلى: عطاء من الله، عز وجل، يؤتيه من شاء فضلا ويمنعه من شاء عدلا.

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ: إطناب اطرد في سياق الوعد على ما تقدم في الآية السابقة، وحسن الفصل فلا عاطف لشبه كمال الاتصال بين السياقين، فكلاهما في بيان ثواب الممدوحين بوصف الصحبة، والإيمان، والجهاد بالسيف والسنان وكرائم الأموال، وفيه دليل على خلق الجنات، إذ أعدت لساكنيها، وتزينت لمستحقيها، فأنهارها جارية ونعيمها خالد لا ينقطع، وداخلها خالد لا يفنى ولا يبيد، فلا يلحقه هرم ولا مرض. و: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وقد أشير إليه بإشارة البعيد على ما اطرد من علو المرتبة الحسية والمعنوية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 03 - 2009, 07:42 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)

نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل، فالاستئذان المنفي هو الاستئذان في الخروج إلى الجهاد، فأهل الإيمان لا ينتظرون الإذن في الطاعة بل يبادرون إلى الفعل، وقال بعض أهل العلم، كما ذكر أبو السعود، رحمه الله، بوقوع الإيجاز بالحذف لدلالة السياق على المحذوف، فالاستئذان يكون في التخلف والقعود عن الخروج، فيكون تقدير الكلام: لَا يَسْتَأْذِنُكَ المؤمنون في التخلف والقعود، فإن ذلك ليس من شيمهم. وذلك بخلاف الاستئذان في نحو قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فهو ممدوح، إذ المناط مختلف، فالأولون يستأذنون نكوصا عن الطاعة، والآخرون يستأذنون من المجلس أدبا، فلا ينصرفون من تلقاء أنفسهم، ولو كانت لهم حاجة تقتضي الانصراف، فلا يكون ذلك إلا بإذن صاحب المجلس صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا أكمل ما يكون في الطاعة والانضباط الذي تصلح به أمور الدين والدنيا، فالصلاة لا ينصرف المصلي منها حتى ينصرف الإمام يمينا أو يسارا، ومجالس السياسة والحرب لا ينصرف الإنسان منها حتى يأذن القائد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير