تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 03 - 2009, 07:52 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

إن كان آباؤكم: شرط في سياق التهديد وقد استغرق المحبوبات التي تقعد المكلفين عن الجهاد من الأرحام: الآباء والإخوان والزوجات والعشائر، فقدمها إذ تعلق النفوس بها أعظم من تعلقها بالأموال، ثم ثنى بالأموال عموما، وعطف عليها التجارة خصوصا، إذ التجارة مما يستلزم المتابعة الدائمة التي تستهلك الأوقات والأعصاب كما هو مشاهد من أحوال كثير من التجار فيكاد الواحد منهم يقضي عمره بين دفاتر الأرباح والخسائر، إلا من رحم الله، ثم ثلث بالدور، فهي آخر متعلقات النفس، فإن كان كل ذلك:

أحب: وفيه شفقة بالمكلفين، بمراعاة ما جبلوا عليه من حب تلك المتعلقات، فتكليفهم بالإعراض عنها بالكلية: تكليف بما لا يطاق لم ترد به شريعتنا السمحة.

وفي تقديم المتعلقات السابقة على الخبر: "أحب": تشويق إذ تعددت أفراد المسند إليه فتطلعت النفس إلى معرفة الحكم الذي أسند إليها في معرض التهديد الذي يستلزم الحذر والترقب.

مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ: فعطفُ ذكرِ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذكر مرسِله، عز وجل، كالعطف بينهما في الشهادة، التي هي، عند التحقيق، إيجاز للملة ففيها أقسام التوحيد الثلاثة: فإفراده بالألوهية إنما يكون فرعا عن الشهادة له بكمال الربوبية، والشهادة له بكمال الربوبية إنما تكون فرعا عن الشهادة له بكمال الذات القدسية والأسماء الحسنى والصفات العلية، والشهادة لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة داخلة في حد إفراده بالألوهية، إذ قد بعث عليه الصلاة والسلام، بالرسالة المتضمنة أحكام التأله له، عز وجل، تصديقا لخبره وامتثالا لأمره، ففيها كل العلوم الإلهية النافعة والأعمال الحكمية الصالحة في العبادات والمعاملات والأخلاق والسياسات.

وهي من جهة أخرى تستوفي القسمة الثنائية للتوحيد: توحيد المرسِل، وهو الله، عز وجل، المحبوب المراد لذاته، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسير على طريقته وحده في العلم والعمل، فهي معقد النجاة، إذ لا رسالة بعد رسالته الخاتمة، وذلك أعظم ما يتقرب به إلى مرسِله، فمن أحب الرسول فقد أحب مرسِله، فتوسل بحب الأول إلى رضا الثاني، وعلامة المحبة: الاتباع لا محض الدعوى مع الابتداع، وفي التنزيل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وعطف الجهاد عليهما: عطف خاص على عام تنويها بذكره، فهو مما ندب إليه الوحي المنزل من عند الله، والسنة الصادرة من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو الوسيلة إلى نشرهما طلبا، والذب عنهما دفعا، فبه تصان الملة، وترفع ألوية السنة، وإفراده بالذكر مما يتواءم مع سياق التهديد لمن قعد عن نصرة الدين اشتغالا بعرض الدنيا الزائل.

والضمير في: "سبيله": عائد على غير أقرب مذكور، على خلاف الأصل، فهو عائد على الله، عز وجل، وقد يقال بعودته على المذكورين: الله ورسوله من جهة كون الجهاد، في حقيقته، إعلاء لمنهاج النبوة، ومنهاج النبوة عند التحقيق هو سيبل الله المنصور، وفي التنزيل: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، فقرن بينهما في سياق الغلبة والظهور.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير