فلا التزام بالأمر الشرعي إلا إذا شاء الله، عز وجل، ذلك بإرادته الكونية النافذة تفضلا وتمننا منه على عبده، فليس للعبد سابقة عند الرب، وإنما يستعين به كونا: "إياك نستعين"، ليسدده شرعا: "إياك نعبد". وكل من وكل إلى نفسه خذل، فكم من همم فترت وكم من عزائم فسخت، وذلك أمر مشاهد ومجرب. عافانا الله من سوء الخاتمة.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ:
بيان لعلة ما نالهم من العقاب العظيم، وأي عقاب أعظم من صد العبد عن سبيل الهدى؟!، فذلك: على طريقة العرب في الإشارة إلى ما انقضى قريبا باسم الإشارة المستعمل للبعيد.
كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ: من الكلمات الشرعيات الآمرات.
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ: بقدره الكوني النافذ، فصدوا عن السبيل جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ: استفهام إنكاري توبيخي، يزداد معنى الإنكار فيه جزالة بتقدير محذوف من قبيل: أقعدوا فلم يسيروا في الأرض، فيلحقهم الذم من جهة القعود وعدم السير: سير التدبر في الآيات الكونيات الباهرات.
فَيَنْظُرُوا: نظر تأمل واعتبار.
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: إجمال تلاه البيان: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا: طردا على ما اطرد في الكتاب العزيز من الطرد، فيفيد السياق نجاة المؤمنين عكسا، فمن آمن فله العمار، ومن كفر فله الدمار، سنة كونية جارية لا تتخلف، مصداق قوله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ:
فما تقدم فرع عن ولاية النصرة والتأييد للمؤمنين في مقابل عدمها للكافرين، ففي السياق: طباق بالسلب، إذ أثبت المولى للمؤمنين، وأعظم به من مولى وناصر!، ونفاه عن الكافرين، وإن كان لهم أولياء غير الله، عز وجل، فولايتهم عند التحقيق: كلا ولاية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 04 - 2009, 08:49 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
ففيه النداء في معرض التنبيه معلقا على وصف الإيمان المستلزم لامتثال الأمر الشرعي على ما اطرد مرارا، ولا يعني ذلك قصره عليهم بل هو لهم: أصل، وغيرهم عنهم: فرع، وإنما خصوا بالذكر إذ هم مظنة الامتثال، فهم أولى الناس بخطاب التكليف لاستيفائهم شروطه، وإن كلف به غيرهم، فرعا عن التكليف الأول: تكليف الإيمان.
لا تَكُونُوا: شرعا، فالنهي في أفعال العباد الاختيارية يتعلق بالتكليفات الشرعية لا المقدرات الكونية، فلم يؤمروا بمباينة الكفار في الخلقة البشرية، أو الخصائص الآدمية، فإن التكليف إنما يكون بأمثال: لا تكفر لا تقتل .......... إلخ، لا بأمثال: لا تأكل لا تشرب ........ إلخ من الأمور التي يشترك فيها البشر جبلة.
كَالَّذِينَ كَفَرُوا: فيه طباق بالإيجاب بين الإيمان والكفران يهيج السامع على التحلي بالأول والنفور من الثاني.
وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى:
¥