عطف متلازمين، أو: عطف خاص على عام فإن فساد القول في مقالة القدر خاصة، فرع عن فساد القول في مقالة الإيمان عامة، فالمقالات الفاسدة متلازمة واعتبر بأقوال أهل الملل الباطلة والنحل المبتدعة كيف انتقلوا من باطل إلى باطل، فحادوا شبرا وانتهوا أميالا، كما ذكر بعض المحققين من أهل العلم، ويقال أيضا: فساد العلم والعمل متلازمان، فإن فساد عملهم بالقعود عن الضرب في الأرض وترك الغزو فرع عن فساد علمهم في باب القدر، فمبنى الأمر على: الإيمان بالأمر الكوني القدري وامتثال الأمر الشرعي الحكمي، فلا يغني حذر من قدر، ولا يحتج بقدر على معصية أو تفريط، وإنما يحتج به في المصائب الكونية التي لا يملك المكلف لها دفعا، أو المعايب الشرعية إذا تاب العبد منها وأقلع، بخلاف من هو قائم على الذنب مصر على المعصية فإن احتجاجه بالقدر احتجاج الذين أشركوا في قوله تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا).
وفي الإتيان بظرف الاستقبال في قوله: "إِذَا ضَرَبُوا" استحضار للصورة، وذلك مما يقرب المعنى إلى الأذهان.
لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا: لف ونشر مرتبان فمقابل: الضرب في الأرض: مصيبة الموت في سبيل طلب الرزق، ومقابل الغزو: منحة القتل في سبيل الله، وليس من مات في سبيل مباح، وإن لم يلحقه الذم، كمن مات في سبيل واجب أو مندوب.
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ:
اللام: لام التعليل، والجعل: كوني قدري، فقد قدر الله، عز وجل، ذلك عليهم لحكمة بالغة، ونكرت الحسرة تعظيما وخص القلب بها لأنه موضعها، فهو مستودع الأسرار ومحل الأفراح والأتراح، فبه تقوم الأمور الوجدانية والمعاني النفسانية.
وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ: إبطال لمقالتهم في نسبة الحوادث إلى غير الله، عز وجل، على سبيل الاستقلال، فهي أسباب قضاها الله، عز وجل، عليهم أزلا، والسبب لا يستقل بإحداث المسبَب حتى يشاء خالقه نفاذه، فإن شاء أمضاه، وإن شاء أثناه، والطباق بالإيجاب بين: الإحياء والإماتة، مستوف لأوجه القسمة العقلية في ذلك الأمر، فالرب، جل وعلا، هو المتفرد القادر على الشيء وضده، فهو الذي: يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل ......... إلخ.
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ: تذييل معنوي يناسب السياق، فهو، عز وجل، عليم، بما يعملون ظاهرا، وما يعتقدون باطنا، ومناسبة البصر لعمل الجوارح أظهر، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
وقرئ بالياء: "يعملون": فيكون تهديدا لهم تحذيرا لغيرهم على سبيل التعريض، كما أشار إلى ذلك، أيضا، أبو السعود رحمه الله.
وأظهر لفظ الجلالة في: "وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" في موضع الإضمار، فالقياس: "وهو بما تعملون ......... " تربية للمهابة في مقام الوعيد والتحذير وذلك مما يلائم السياق ويزيده بيانا وجزالة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 04 - 2009, 08:25 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158))
قسم في معرض التوكيد على بطلان مقالتهم، فهو منزل منزلة الإضراب المبطل لها، واللام موطئة لقسم محذوف فاستغني بذكرها عن ذكره إيجازا بالحذف، كما اطرد في آي الكتاب العزيز فلا يجمع بين أمرين يغني ذكر أحدهما عن ذكر الآخر، تفاديا للتطويل بتكرار لا طائل من ورائه.
وقد وقع الإيجاز من وجه آخر، إذ اجتمع في صدر الآية: قسم وشرط يطلب كلاهما جوابا فاستغني بجواب أحدهما عن جواب الآخر، فجواب القسم: "لمغفرة": ساد عن نفسه أصالة وعن جواب الشرط نيابة.
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ: استيفاء للقسمة المتقدمة: القتل في سبيل الله، والموت حال الضرب في الأرض، وقدم القتل إذ هو أشرف عاقبة من الموت حتف الأنف.
¥