ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 04 - 2009, 08:50 ص]ـ
ثم أكد الباري، عز وجل، تلك الحكمة الباهرة فقال: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)
فعطف بين متلازمين إذ: إحقاق الحق لازمه: إبطال الباطل، فهما متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان سواء أكان ذلك في الجماعات أم الأفراد، فالجماعة إما أن تحق الحق فترد ما تنازعت فيه من أمر دينها ودنياها إلى حكم الملك، عز وجل، وحكم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه صاحب الشريعة الخاتمة، ففي أمر الدين: يكون الحكم مباشرا فإذا صح النقل سلم العقل، وفي أمر الدنيا: يكون الحكم مباشرا كسائر أحكام المعاملات التي نص الشارع عز وجل على أحكامها وعليها يقاس ما استحدث من جنسها كصور الربا المعاصرة وما أكثرها!، أو غير مباشر كسائر المصالح المرسلة التي أطلقها الشارع، عز وجل، فلم يعتبرها ولم يلغها، وإنما تركها للمكلفين ليجتهدوا في اعتبارها أو إلغائها بما يناسب المصلحة الشرعية فلها الاعتبار الأول في كل أمور الحياة. وإما أن تقر الباطل فتحكم نخالة أذهان فلان أو فلان من مشرعي البشر، فتتعدد مصادر تلقيها بتعدد مشرعيها!!، ولكل عقل ولكل هوى ولكل جدل عما شرع ولا فيصل بين تلك العقول المتنافرة إلا نصوص الوحي المنزلة.
وقل مثل ذلك في الفرد فإنه إما أن يجعل الوحي سلطانا نافذ الحكم على أقواله وأفعاله، وإما أن يجعله ديكورا يتجمل به أمام أقرانه، فيصير الوحي آيا تتلى باللسان لا بالفِعال.
وفي طباق الإيجاب بين الحق والباطل ما يزيد المعنى بيانا بإيراد المتضادين في معرض إثبات أحدهما وإقراره ونفي الآخر وإنكاره.
وإلى طرف من ذلك أشار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله:
" وأما قوله: {ويبطل الباطل} فهو ضد معنى قوله: {ليُحق الحق} وهو من لوازم معنى ليُحق الحق، لأنه إذا حصل الحق ذهب الباطل كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ} [الأنبياء: 18]، ولما كان الباطل ضد الحق لزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر. ومن لطائف عبد الله بن عباس أنه قال لعُمر بن أبي ربيعة: كم سِنّك فقال ابن أبي ربيعة وُلدت يوم مات عمر بن الخطاب، فقال ابن عباس: «أي حق رُفع وأيّ باطل وضع» أي في ذلك اليوم". اهـ
وفي: "يحق الحق"، و: "يبطل الباطل": جناس اشتقاقي إذ اللفظان في كل جملة قد اشتقا من مادة واحدة: "الحق" و: "الباطل".
ولو كره المجرمون: إيجاز بالحذف دل عليه ما تقدم من قوله: "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ"، فتقدير الكلام: ولو كره المجرمون إحقاق الحق وإبطال الباطل فإن الله سيقضي بذلك، أو: ولو كره المجرمون ذلك إشارة إلى ما انقضى من الكلام.
والشرط قائم مقام الاحتراس، فلا ترد إرادتهم إرادته، عز وجل، فلو كرهوا ظهور الحق فأعدوا له الحد والحديد، فإن الله، عز وجل، ناصر دينه، ولو قعد أتباعه عن ذلك، فحاصل أمرهم: الذلة والمهانة ثم الاستبدال بقوم لا يكونوا أمثالهم، وفي التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، و: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 04 - 2009, 08:14 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)
استحضار للصورة المنقضية إمعانا في تقرير المنة الربانية عليهم يوم بدر، وذلك أمر اطرد في هذا السياق.
والخطاب في: "تستغيثون": إما أن يكون على حقيقته فيكون الكل قد استغاث، وذلك الظن بالصحابة، رضي الله عنهم، في ذلك الموطن، فهم أحرص الناس على طلب المدد الرباني بعد استفراغ الجهد ببذل السبب العادي.
¥