تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإما أن يكون المستغيث هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الرواية المشهورة في دعائه في عريشه صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى أشفق عليه الصديق رضي الله عنه. فتكون من باب إطلاق الكل وإرادة البعض، فالصيغة: صيغة جمع والمراد واحد، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، كما قيل في قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، فـ: "الناس" الأولى: جماعة أريد بها واحد هو أبو سفيان، رضي الله عنه، أيام كان على الشرك، و: "الناس" الثانية: كذلك أيضا، وإن أريد بها واحد آخر هو نعيم بن مسعود، رضي الله عنه، أيام كان هو الآخر على الشرك. فتكون مجازا عند من يقول به بإرادة البعض بصيغة تدل على الكل فعلاقته: الكلية كما قرر مثبتو المجاز.

وهو عكس مجاز الجزئية في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)، فالمخاطب واحد والمراد جماعة المؤمنين بقرينة ضمير الجمع في: "طَلَّقْتُمُ"، وتلك قرينة لفظية سياقية كفيلة بمنع المجاز في ذلك الموضع إذ السياق قيد في فهم المعنى لا يخرجه عن الحقيقة.

والأولى في الاستغاثة أن تكون على حقيقتها لما تقدم من حرص الصحابة، رضي الله عنهم، على الاستغاثة بالله، عز وجل، في مواضع القتال.

ربكم: علق الاستغاثة على وصف الربوبية، إذ تلك من أفعال الربوبية فلا يغيث المضطر إلا الرب ذو القدرة التامة والإرادة النافذة.

وفي إضافة اسم الرب إلى ضميرهم: مزيد إيناس لهم فهي ربوبية خاصة: ربوبية الحفظ والعناية. فليست الربوبيةَ العامة التي يصل عطاءها إلى المؤمن والكافر، البر والفاجر، بل تلك ربوبية لازمها النصر والتمكين، فعطاؤها أجل، عطاء: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، و: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، و: (تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ).

فاستجاب: الفاء تفيد السببية والفورية، فاستجابته بقدره الكوني النافذ فرع عن امتثالكم الأمر الشرعي بالدعاء، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى بذل السبب الشرعي، كما يبذل السبب العادي من إعداد الجيوش وتجهيز السلاح، بل الأول آكد، إذ الأمر بيد الله، عز وجل، لا بيد فلان أو فلان من: صناع النصر! الذين أضاعوا النصر الرباني بشؤم مقالاتهم فنسبوا عطاء الربوبية بالظهور على العدو إلى أنفسهم، فسلب المسلمون ما أعطوا عدلا منه جل وعلا.

أَنِّي مُمِدُّكُمْ: بيان إجمال ما تقدمه على اختيار الطاهر بن عاشور، رحمه الله، من كونها: تفسيرية توكيدية، فهي مزيلة لإجمال ما تقدمها مؤكدة لما بعدها، وذلك في معرض الامتنان بالإمداد الرباني أبلغ، فدلالتها أقوى من قولك في غير القرآن: فاستجاب لكم بإمدادكم ......... ، وإن كان المصدر المؤول يؤول في نهاية الأمر من جهة المعنى الكلي إلى معنى المصدر الصريح، ولكن يبقى أنه يمتاز عنه بالدلالة التوكيدية للحرف المصدري الذي أول منه ومن مدخوله.

وذلك الإمداد، على ما تقدم، إمداد رباني يتعلق بالإرادة الكونية النافذة، فرعا عن التزام الأمر الشرعي الحاكم، فهو إمداد مخصوص لا يجري مجرى العموم.

بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ: لتتحقق صورة السبب، وإن كان الله، عز وجل، قادرا على نصرهم بكلمته التكوينية النافذة: "كن" ولكنه، جل وعلا، أقام شريعته على بذل الأسباب ويبقى النصر معلقا بإرادته النافذة: إن شاء نصر فضلا وإن شاء خذل عدلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 04 - 2009, 07:57 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير