تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 04 - 2009, 08:30 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)

اطراد لما تقدم من استحضار الصورة.

والوحي هنا: الأمر، وهو أمر نافذ إذ الملائكة: لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وفي ذكر الآمر، جل وعلا، بلفظ الربوبية الخاصة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مزيد عناية وتلطف به، فهو أولى الناس بذلك المقام، فقد بلغ أعلى مراتب العبودية بتحقيق مراد الله، عز وجل، الشرعي، فما وطئ الثرى عبد أكمل في عبوديته منه، وما نصر دين الله عز وجل وقام به نصرته وقيامه، فاستحق أعلى مراتب الربوبية: ربوبية العناية بالنعمة الربانية السابغة، وذلك أصل مطرد، وفي التنزيل: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، فإذا حصل الذل بالسجود حصل القرب من الرب المعبود.

أَنِّي مَعَكُمْ: معية خاصة: معية النصرة والتأييد، فتلك لا تكون إلا لمن نصر الله، عز وجل، والسياق شاهد لها.

فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا: تعليق للحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة فلا يكون ذلك إلا للمؤمنين.

وعلى سبيل المقابلة أو طباق السلب:

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ: تفصيل يناسب سياق الامتنان بقطع دابر الكافرين.

وخص الأعناق والبنان بالذكر لكونها مناط القوة، فالعنق: مناط قوة الحياة، والبنان: مناط قوة الضرب بالسيف، فتعطل كلاهما بضرب الملائكة كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور رحمه الله.

وفي ذلك اطراد لصورة السبب جريا على السنن التي أقام الله، عز وجل، عليها شريعته.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 04 - 2009, 08:20 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)

ذَلِكَ: على ما اطرد من كلام العرب من الإشارة إلى المنقضي قريبا بإشارة البعيد، أو يقال هو من باب الإشارة ببعد مكانته على جهة التحقير إمعانا في النكاية فيهم على وزان قوله تعالى: (فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ)، أي: بعدا.

بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: الباء سببية في معرض بيان استحقاقهم لما تقدم من النكال.

وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ: شرط فيه معنى الوعيد، ذيل بما يناسب السياق، من شدة العقاب، فذلك أبلغ في الزجر، فعظم العقوبة من عظم صاحبها، وعظم الجناية التي تسببت فيها من عظم حق من وقعت في حقه، وأي جناية أعظم من الجناية في حق الله ورسوله بحرب دينه وأوليائه؟!.

والعموم في الآية محفوظ لا مخصص له إلا التوبة في نحو قوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى). وللآية كسائر آيات الوعيد: طرد في حق من قام به وصفها، عكس لمن قام به ضدها من نصرة الله ورسوله فله ضد العقاب الشديد من النعيم المقيم.

ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ: تكرار في معرض الوعيد إمعانا في النكاية فذوقوه في الدنيا وفي الآخرة: لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ، فعم العذاب الدارين، واستوفى السياق شطري القسمة العقلية: دار الفناء ودار البقاء، فترتيب النكاية في هذا السياق من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، كما في قوله تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، على القول بأن العذاب الأدنى هو مصائب الدنيا أو عذاب القبر، والعذاب الأكبر هو عذاب النار.

وفي الآية إيجاز بحذف خبر المبتدأ، فتقدير الكلام: ذلكم العذاب فذوقوه، والفاء تفريعية لإظهار الشماتة، كما ذكر ذلك الطاهر بن عاشور، رحمه الله، فالأمر للإهانة والشماتة على وزان قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير