والشماتة بأعداء الله إذا نزل بهم العقاب حق بخلاف الشماتة بأولياء الله، فالفعل واحد ولكن اختلاف متعلقه غير حكمه من حظر إلى إباحة، بل هو مما يرضاه الله عز وجل من عباده المؤمنين إذا شاهدوا أعدائه يعذبون في ناره بمقتضى عدله وحكمته البالغة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 04 - 2009, 07:45 ص]ـ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:
نداء للتنبيه خص به المؤمنون مواجهة، وعم غيرهم لزوما على ما اطرد من عموم التكليف فيكون من الخاص الذي أريد به العام، فالوصف الذي اشتقت من الصلة فرض على كل مكلف.
إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا: على جهة المقابلة في سنة التدافع الكونية فالمؤمن في مواجهة الكافر: سنة جارية لا تتخلف وإن تهادنا حينا، فكل ينصر حجته، ويذب عن مقالته بلسانه حينا وبيده حينا، والعاقبة للمتقين، ولا تنال المطالب الدينية إلا بصبر ويقين، بهما تظهر أعلام الدين، وتحكم شريعة رب العالمين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
زَحْفًا: حال جاءت على وزان المصدر، تقريرا للمعنى على وزان: طلع زيد بغتة، فذلك آكد في الدلالة من: طلع زيد مباغتا.
فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ: فاء رابطة لا تخلو من معنى السببية، فما قبلها من وقوع اللقاء كونا سبب لما بعدها من وجوب الثبات شرعا، فلقاء العدو ابتلاء كوني، وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ)، يستعان فيه بالتزام الأمر الشرعي، وخصت الأدبار بالذكر تقبيحا لصورة المنهزم في الأذهان، فليس ذلك وصف أهل الإيمان.
ومن يولهم: شرط سيق مساق التهديد.
إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ: استثناء مخرج لصور المستثنى من عموم الذم الذي أفاده الشرط.
فقد باء: رجع تحقيقا أفادته: "قد"، وكأنه قصد الرجوع بروحه سالمة فجاء الجزاء من جنس العمل فرجع ولكن بـ:.
بغضب: عظيم فالتنوين للتنكير، وازداد وصفه عظمة بابتداء غايته من الله، عز وجل، فليس كأي غضب صادر من غيره.
وَمَأْوَاهُ: على سبيل المقابلة، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فقد ابتغى لنفسه مأوى فهرب ولكن إلى:
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ: وفيه إطناب في أوصاف الذم في معرض التبكيت لمن خالف الأمر الشرعي.
وأخطر ما في الأمر أن تختل الموازين بحجة: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، فيوضع القرآن على غير ما أريد به.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 04 - 2009, 08:11 ص]ـ
وعن حال القوم الكافرين:
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ:
ففي بيان حالهم تهكما:
إن تستفتحوا بطلب الفتح: فقد جاءكم، وتسمية ما حل بهم فتحا: من صور التهكم، فهو فتح لأعدائهم مصيبة في أبدانهم وأموالهم.
وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: مزيج من التهديد والترغيب في آن واحد، فإن تتوبوا فهو خير لكم ترغيبا، ومفهومه: وإن لم تتوبوا فويل لكم ترهيبا.
و: "خير" منزوعة الدلالة، فلا خير فيما هم فيه من الكفر ليقال بأن الإيمان خير منه.
وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ: تهديد آخر فيه جناس اشتقاقي بين الشرط وجوابه أفاد المعنى مزيد بيان فالجزاء من جنس العمل، فإن تعودوا للمعصية بمخالفة الأمر الشرعي وحرب الدين وأهله نعد بالعقوبة الكونية والهزيمة في الحرب.
وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا: نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل فأفاد العموم الذي أكد بـ: "شيئا" فلن تغني عنكم أي إغناء.
وَلَوْ كَثُرَتْ: تقييد بالحال احتراسا، فقد يظن الكافر لعدده وعتاده أنه ظاهر على المؤمن، فلا نصيب له، عند التحقيق، إلا في بذل الأسباب الكونية التي قام عليها ناموس الكون، دون التفات إلى الأسباب الشرعية التي يستجلب بها النصر، فإن ظهر فإنما ذلك لتقصير المؤمن في بذل السبب الشرعي، أو تواكله بعدم استفراغ الجهد في تحصيل السبب الكوني، وذلك عند التحقيق يرجع إلى التقصير الشرعي، إذ الشريعة قائمة على بذل السبب رجاء وقوع المسبب بإذن الله، فمن عطل الأسباب الظاهرة فقد عطل الشريعة الظاهرة، وتلك في حد ذاتها معصية تستوجب الانكسار عند اللقاء، واعتبر بحال من قعد في المساجد يقرأ صحيح البخاري لما دهم العدو أرضه رجاء دحره، فهل جعل الله، عز وجل، قراءة الصحيح سببا كونيا مؤثرا في إحداث النكاية في الأعداء أو هو سبب شرعي في تحصيل العلم، وواجب الوقت آنذاك: القتال لا طلب العلم، فمن اشتغل بأسباب عبادة في غير وقتها فقد قصر بإعراضه عن أسباب عبادة أخرى حل أوانها، ولكل مقام مقال، والواجبات تختلف تبعا لاختلاف الأعصار والأمصار وأعيان المكلفين، فلا يجب في حق زيد الفقير ما يجب في حق عمرو الغني من فرض الزكاة ........... إلخ.
وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ: إيجاز بحذف لام كي المعللة، فما تقدم لكون الله، عز وجل، مع عباده المؤمنين: معية نصرة وتأييد، فأنى لكم بالظفر بهم والظهور عليهم؟!.
والله أعلى وأعلم.
¥