تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 04 - 2009, 08:18 ص]ـ

ومن نصرتهم لباطلهم على طريقة: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ):

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ:

توكيد بالناسخ ودخول اللام على الخبر الذي يفيد التجدد، فصدهم عن سبيل الله دائم دائب، فلهم في ذلك همة هي فرع عن قدر الله، عز وجل، الكوني، إضلالا لهم، وفتنة لغيرهم، على مقتضى حكمته، عز وجل، بإجراء سنة التدافع بين الحق والباطل، فإن حكم عليهم بالضلال فبعدله، وإن هداهم إلى شرعه فبفضله، وإن فتن بهم ضعاف النفوس كونا، فبتقصيرهم في الأخذ بأسباب النجاة شرعا، فلا يستميلون إلا الهمل، برياسة أو مال أو شهوة ......... إلخ، وانظر إلى حال المنصرين إذ ليس لهم من الحجج الشرعية أو البراهين العقلية نصيب، فلا نقل عن النبوات الصحيحات ولا أقيسة توافق العقول الصريحات، وإنما محض خرافات تشبعت أنفس معتنقيها بالحقد، فتولد من الخرافة والحقد: تعصب أعمى حمل صاحبه على ظلم المخالف واستحلال دمه وعرضه وماله، واعتبر بحال أعداء الملة وأعداء السنة من الكفار الأصليين والمبتدعة تجد عجبا!. فقوم عادوا من لم يعرفوه أصلا، وأعملوا السيف في خصومهم تقليدا لمقالة درجوا عليها، فلا عقل ليزن الأمور، ومع ذلك يدعون: العقلانية والموضوعية، مع أنهم لم يعملوا عقولهم في مقالة مخالفهم إلا على سبيل القدح بإثارة شبهة أو التقاط زلة لا تنسب إلى الملة، فتعمل آلات الدعاية زورا، على وزان: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا)، و: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ)، فلسان حالكم: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)، ومن أوتي أداة التكليف فعطلها، فلا يلومن إلا نفسه التي أهلكها.

فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ: إطناب في معرض النكاية، والتنكير في: "حسرة" للتعظيم، فحسرتهم على ما فرطوا عظيمة يوم لا تنفع حسرة، و: (لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ). فقد طبع على قلوبهم من الأزل كونا، فحرموا الفضل وعوملوا بالعدل، و: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

واعتبر بحسرتهم العاجلة بفشل مخططاتهم، مع تخاذل أهل الحق عن نصرته، فضلا عن حسرتهم الآجلة، وهي أشد وأنكى.

وما ذلك إلا لقوة الحق الذاتية فلو وكل إلينا حفظه لزال من الوجود أثره، ولانتهى من قديم أمره!، فالحمد لله أن تكفل بحفظ دينه، فقيض له رجالا حملوا أمانته ونصروا رسالته.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ: مزيد إطناب للنكاية، وقدم المصير على فعل الحشر تعجيلا بالمساءة، فضلا عما اطرد من الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير.

لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ:

متعلق الحشر فبه يحصل التمايز بين أهل الإيمان وأهل الأوثان.

أو الإنفاق، فمن مؤمن عوفي بالإنفاق في سبيل الرحمن، ومن كافر عوقب بالإنفاق في سبيل الشيطان، فاستعمل النعمة الكونية في حرب الطريقة الشرعية، ففيه يصدق وصف الخبث، فما وقع ذلك إلا ابتلاء وتمحيصا، وما كان ذلك على الله، عز وجل، خفيا، بل قد علمه علما أزليا، وإنما حصل التمايز في عالم الشهادة بعد رقمه في الكتاب الأول: إقامة للحجة، فبه يتعلق الثواب فضلا والعقاب عدلا، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى.

فصار ذلك الابتلاء الكوني بأهل الكفر: علة ظهور أهل الإيمان، ولو غلبوا حينا، فمآلهم إلى التمكين يقينا، فاستخرج به من الحكم الشرعية والمطالب الإلهية ما فاق مفسدة وقوعه، وتلك عين الحكمة الربانية، ولولا ظلمة الباطل ما علم العباد عظم المنة بإشراق شمس الحق المبين على عقول المكلفين، ببعث النبيين مبشرين ومنذرين، فالنبوات أعظم ما امتن به رب البريات، عز وجل، فبها صلاح كل الكائنات.

وذلك مما يثلج الصدر ويقوي القلب على السير في طريق الحق وإن قل سالكوه، فمن كان الله أنيسه فلا يستوحش، ومن كان الله ناصره فلن يغلب.

وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ:

ويجعل الخبيث حسا ومعنى فهما متلازمان، إذ خبث الأرواح مئنة من خبث الأبدان، وإن كانت الصورة في أصلها مليحة فإن للمعصية شؤما يصيرها قبيحة.

ومن فوائد هذا الركم ما أشار إليه الطاهر بن عاشور، رحمه الله، بقوله:

"لزيادة تمييزه عن الطيب، ولتشهير من كانوا يُسرون الكفر ويظهرون الإيمان، وفي جمعه بهذه الكيفية تذليل لهم وإيلام، إذ يجعل بعضهم على بعض حتى يصيروا رُكاماً". اهـ

أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ: توكيد على ما اطرد من تعريف الجزأين ووقع ضمير الفصل بين الركنين، وأشير إليهم بالبعيد على يقتضيه السياق من ذم وتحقير.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير