تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 05 - 2009, 10:46 ص]ـ

وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ:

توكيد يناسب السياق، فلا يكفي مجرد الظن حتى يترجح، فيغلب على الظن أنهم خائنون لا محالة فيكون الخوف عندئذ قد صار بمنزلة الواقع الذي يلزم التصدي له.

والسياق عام في كل قوم، وقل مثل ذلك في الخيانة التي وردت منكرة في سياق الشرط.

فانبذ إليهم: ولا يكون إعداد العدة للقائهم إلا بعد إعلامهم. فيكون نبذك عهدهم على طريق مستو ظاهر لا لبس فيه لئلا يشوبك من ذلك شائبة خيانة كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله.

وعلة ما تقدم: إن الله لا يحب الخائنين، فهو بمنزلة التذييل اللفظي إذ مادة الخيانة قد وردت في سياق الشرط بصيغة المصدر، ثم وردت في العلة المؤكدة بـ: "إن" بصيغة اسم الفاعل: "الْخَائِنِينَ"، وحسن الفصل، كما تقدم مرارا، لشبه كمال الاتصال بين العلة والعلول فهي بمنزلة جواب لسؤال تولد مما تقدمها من الشرط، إذ التقدير: وما الموجب لالتزام ذلك الشرط؟، فجاء الجواب بالنص على ما ينفر المكلف من مخالفته، فأي شؤم أعظم من أن تنتفي محبة الله، عز وجل، لعبده، فرعا عن ذنب خالف به أمره الشرعي، وإن كان واقعا بأمره الكوني؟.

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ: في مقام تسلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحسبن أعداؤكم من الكفار أنهم سبقوا الله، أو سبقوكم، بنجاة مؤقتة، فمصيرهم الهلاك إما بسيوفكم، وإنا بعقوبة كونية عاجلة، فإن تأخرت العقوبة في الدنيا فالنار مثوى لهم.

وقوله تعالى: (إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ): تعليل سواء قرئ بالفتح على تقدير: لأنهم، أو الكسر، إلا أن الكسر يزيد عليه دلالة الاستئناف، إذ تكسر همزة إن وجوبا في صدر الكلام، كما أشار إلى ذلك صاحب الكشاف، غفر الله له، فهو على ما تقدم من التذييل المعنوي بورود العلة عقيب معلولها، فالنهي الذي أريد به التسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتبكيت والمساءة لأعدائه علته: أنهم لن يعجزوا الله، عز وجل، هربا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[02 - 05 - 2009, 02:02 م]ـ

أحسنت أخي الكريم أحسنَ اللهُ إليك َ .. بورك فيك وزادك علماً ورفعة .. وجعل هذا العمل في ميزان حسناتك ..

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 05 - 2009, 09:46 ص]ـ

أحسن الله إليك: نور الدين: أيها الكريم، وجزاك خير الجزاء على المرور وحسن الظن.

ومن قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)

أمر على أصله للإيجاب، والقدرة مناط التكليف، فأعدوا لهم: (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)، وعطف رباط الخيل على القوة: عطف خاص على عام تنويها بذكره، إذ كانت الخيل من أعظم العدة في قتال الكفار، وليس النص عليها تخصيصا لعموم القوة، بل لكل زمان قوته، ولكل جيش عدته، فيقاس عليها من باب القياس المساوي بملاحظة المعنى الكلي الجامع وهو كونها مما يستعان به في الحروب من الآلات يقاس عليها كل سلاح حديث لا سيما ما شاركها الوصف الأخص من المدرعات وناقلات الجنود، فكل وسيلة لنقل الرجال والمؤن تقاس عليها قياسا مساويا.

تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ: نص على علة ذلك الإعداد، فهو من باب سد الذرائع، إذ رؤيتهم عدتكم الحقيقية لا الوهمية التي نراها في العروض العسكرية الفلكلورية! لجيوش العالم الثالث المتهالكة، رؤيتهم لذلك مع تلمسهم لعقيدة قتالية شرعية لا وطنية تقدس التراب الوطني الذي تطؤه النعال ليل نهار!، كل أولئك مما يرهب قلوبهم فيكفوا عن قتالكم ويطلبوا سلمكم، وما نحن فيه اليوم من طلبهم لنا في كل مكان حتى في بلادنا إنما هو عقوبة كونية نافذة فرعا عن مخالفة هذا الأمر الشرعي.

وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ: طباق بالسلب يزيد المعنى بيانا في معرض بيان كمال علم الرب، جل وعلا، في مقابل نقصان علم العباد القاصر. وذلك أصل مطرد في كل صفة اشترك فيها الخالق، عز وجل، والمخلوق، فالاشتراك واقع في المعنى الكلي على سبيل الاشتراك المعنوي، دون كمال الوصف وحقيقته، فللرب، جل وعلا، منه الكمال المطلق والحقيقة الغيبية التي لا تدركها العقول القاصرات، وللمربوب منها الكمال المقيد بحاله التي لا تنفك عن النقصان بحكم الجبلة التكوينية ذات القدرات المحدودة، فليس سمع الباري، عز وجل، الذي وسع الأصوات كلها، كسمع المخلوق المحدود، وعلى هذا فقس، إذ لا بد من قدر مشترك لتدرك العقول المعاني، وقدر فارق يمتاز به الباري، عز وجل، المتصف بكل كمال مطلق ورد به الخبر فضلا عما حجب عنا من نعوت جماله وجلاله، يمتاز به عن المخلوق الناقص.

وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ: إلهاب بشرط سيق مساق الوعد، وهو تذييل معنوي بديع جار على ما تقدم من سياق إعداد العدة، إذ لا يكون ذلك إلا بالبذل، فيكون من باب عطف السبب على مسَبَبه.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير