تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 05 - 2009, 10:55 ص]ـ

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:

أي مالوا: فاستعير فيه الجنوح الحسي للجنوح المعنوي، فإن طلبوا السلم فرعا عما رأوه من قوتكم المعنوية والمادية التي أدخلت الرهبة في قلوبهم: فاجنح لها: أمر إباحة أو إرشاد، فيه جناس أو مشاكلة بين: "جنحوا" و: "فاجنح" تزيد المعنى بيانا، فليس ذلك بواجب، بل هو منسوخ على قول طائفة من أهل العلم، منسوء على قول طائفة آخرى، وهو الراجح، فيرجع في ذلك إلى المصلحة الشرعية المعتبرة، فقد تكون المصلحة في المهادنة حينا لتجهيز العدة، أو لضعف اعترى المسلمين فلا يقدرون على النهوض لقتال أعدائهم، والأيام دول، والمرض يعتري الأمم كما يعتري الأبدان، فتصح تارة وتعتل أخرى، و: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، وقد تكون المصلحة الشرعية في نصب القتال لهم جهادَ دفع للذب عن بيضة الدين، أو طلبٍ لتبليغ رسالة رب العالمين، فيعمل في كلٍ بحكمه، إذ ليس حكم الضعيف كحكم القوي، فالأحكام ثابتة في مناطاتها، متباينة في تحقيقها تبعا لحال الأمة، والفقيه من نظر في أحوال زمانه، فألم بها قبل أن يقضي بفعل أو ترك، وميزان المصالح والمفاسد ميزان دقيق، والناس فيه ما بين مضيق وموسع، فمضيق لا أثر لروح الشريعة في قضائه، وموسع يتذرع بفقه المصالح والمفاسد لإهدار مصالح شرعية معتبرة باسم: "فقه الواقع"!، فيؤول حاله إلى تعطيل الشريعة باسم الشريعة تكلفا لسماحة هي إلى التفريط أقرب، وحسن النية لا يصلح ما يطرأ على الأقوال والأفعال من فساد بتخطي حاجز الشرع العاصم.

والاستدلال بهذه الآية على عقد المعاهدات الباطلة شرعا التي حُيِدَ فيها قطاع عريض من المسلمين وأقصي من ساحة النزال تحت شعار: التنمية، وحرب كذا: آخر الحروب، ومعركة السلام الوهمية التي اصطنع لها أبطال من ورق لا تقل ضراوة عن معركة الحرب التي قادها الأبطال من غرف العمليات المكيفة!، ثم تبجحوا بصناعة السلام صناعتهم النصر الذي من الله، عز وجل، به على ثلة من الضباط والجنود أخلصت النوايا لرب العالمين فلم تكن على طريقة القادة والزعماء الملهمين!، فكانت عاقبة تلك التبجح أن حل العقاب الرباني العاجل، وبيع النصر بعد ذلك بثمن بخس: دولارات معدودة، الاستدلال بهذه الآية على تلك المهزلة هو مثال قياسي لما أشار إليه ابن القيم، رحمه الله، في "إعلام الموقعين" من جناية التأويل الفاسد على الأديان.

وتوكل على الله: فهو القادر على رد عدوانهم إن أضمروا غدرا، فأظهروا نية السلم وأبطنوا نية الحرب، وعلة ذلك التوكل: إنه هو السميع العليم، فهو السميع لما يتناجون به، العليم بمكنونات صدورهم، فالتذييل بهذين الوصفين: تذييل معنوي بديع يناسب السياق، أيما مناسبة، وهو مفصول لشبه كمال الاتصال على ما اطرد في آي الكتاب من التلازم بين العلة ومعلولها.

فالسمع والعلم في حق المؤمنين: باعث على الطمأنينة إذ لازمه النصرة والتأييد بفضح مكنون صدور أعدائهم.

وفي حق الكافرين: باعث على الخوف إذ لازمه التهديد بكشف أمرهم وفضح سترهم.

فالألفاظ واحدة والموارد مختلفة تبعا لأحوال أصحابها قربا وبعدا من الإيمان: مناط النصر في الأولى والنجاة في الآخرة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 05 - 2009, 10:37 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

وفي مقام التسلية:

وإن يريدوا الخيانة بعقد الصلح ظاهرا ونية الغدر باطنا فجواب ذلك:

فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ: مؤكدا بـ: "إن" وتعريف الجزأين، فهو ناصرك وكافيك وحده، فالقصر هنا: قصر حقيقي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير