تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ودليل ذلك: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)، فالفصل على ما اطرد من التعليل بطريق الاستئناف، لقوة التلازم بين العلة والمعلول، كما أشار إلى طرف من ذلك أبو السعود رحمه الله.

فأيدك بالفعل الذي يدل على ربوبيته القاهرة، فالنصر لا يكون إلا بكلمته التكوينية النافذة فرعا عن امتثال كلمته الشرعية الحاكمة وبالمؤمنين: فأعيد حرف الجر توكيدا بالتكرار، وزيد في المنة الربانية بذكر بالإشارة إلى حالهم قبل البعثة، والعرب قد جبلوا على اختلاف القلوب وقسوتها فلا ينتظمهم إلا سلك الرسالة التي ألفت بين قلوبهم، والتأليف بين قلوبٍ هكذا وصفها لا يكون إلا بأمر الرب، عز وجل، مصرف القلوب، فذلك مئنة من كمال ربوبيته إذ جمع من لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولا جمعت بين أبدانهم، فالجماعة قد تجلت في أبهى صورها في عصر الصدر الأول، رضي الله عنهم، قبل ظهور الأهواء، فكانت جماعة أديان باطنة وأبدان ظاهرة، فجمعهم عقد القلب، وجمعتهم المدينة النبوية، ولما تطاول الزمن، وظهرت الأهواء، في الأمصار النائية التي لم تشرق عليها شمس الرسالة إشراقها على مهبط الوحي، بدأ البنيان في التصدع، كما اطرد في السنة الكونية الجارية: فليس بعد التمام إلا النقصان، وإن بقيت طائفة من الأمة على الأمر الأول لا يضرها من خذلها، ولا ينال منها عدوها، فإن تطاول عليها بإيصال الأذى إلى الأبدان فلا سبيل له إلى التطاول عليها بتحريف الأديان، فدينها محفوظ وإجماعها معصوم والسائر على طريقها وإن قل منصور.

وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ: طباق بالإيجاب فنفى الفعل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأثبته لنفسه إمعانا في بيان النعمة الربانية بتأليف القلوب على الوحي المنزل، وعلة ذلك: إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ: فإجراء القلوب على مراده من تمام عزته إذ العزيز لا يغلب، وهو مع ذلك حكيم لا يضع الهدى إلا في محل قابل، وأي محال قبلت بذرة الإيمان قبول قلوب الأصحاب، رضي الله عنهم؟!، لها، فهم خير طباق الأمة.

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: نداء لبيان علو منزلة المنادى، فلم ينادَ في الكتاب العزيز إلا بوصف النبوة أو الرسالة، إجلالا لقدره صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

حسبك الله: توكيد بتكرار الحسب مقصورا بتعريف الجزأين، وحسب من اتبعك من المؤمنين، بتقدير مضاف اقتضاء، فهو كافيك وكافي أتباعك، فثبت للفرع حكم الأصل بجامع علة اتباع الرسالة الخاتمة، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، كما تكرر مرارا، ففيه نص بالمنطوق على حكم المتابعة كفاية ونصرا، وإشارة بالمفهوم على حكم المخالفة خذلانا وهزيمة، فإن السنة جارية طردا بالإيجاب والسلب، وفي ذلك إلهاب على امتثال أحكام الرسالة وترهيب من مخالفتها، فتلك النصوص، عند التحقيق، أخبار يراد بها الإنشاء بدلالة اللزوم، فليست إنشاءات صريحة، وليست أخبارا أريد بها الإنشاء قياسا، وإنما ورد عليها الإنشاء بطرد لوازمها على التفصيل المتقدم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 05 - 2009, 06:16 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير