ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 05 - 2009, 07:46 م]ـ
ومن قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ: خطاب تشريع فهو خاص باعتبار المواجهة، عام باعتبار المعنى، بقرينة عموم التشريع إلا ما خص به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو غيره، وذلك خلاف الأصل.
قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ: جناس بين "خيرا" الأولى والثانية يزيد المعنى بيانا، فالأولى: نكرة في سياق شرط، والثانية: من باب أفعل التفضيل. وعلم الله، عز وجل، في هذا السياق هو العلم المتعلق بآحاد الأفعال بعد صيرورتها شهادة يؤاخذ فاعلها عليها، فليس العلم الأزلي بالأعيان والأحوال قبل إيجادها، فذلك مما لا يؤاخذ الله، عز وجل، عباده به، فمن رحمته، جل وعلا، أنه لا يجازي عباده بمعلومه الأزلي فيهم، فلا يجازون إلا بما قدمت أيديهم من الأفعال في عالم الشهادة.
وَيَغْفِرْ لَكُمْ: إطناب في الوعد ترغيبا في امتثال أمر الشارع، عز وجل، بإخلاص عقد القلب، وفيه تسلية لمن فاته شيء من حظ الدنيا، فما عند الله خير وأبقى، ومن ترك شيئا لله عوضه خيرا منه.
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ: تذييل يناسب السياق إذ المغفرة والرحمة من الباري، عز وجل، أعظم عوض، فلا يعدله فائت من عرض الدنيا الزائل، وهو، كما اطرد في التذييل بأوصاف كماله عز وجل، بمنزلة التعليل لما قبله، فعلة مغفرته لكم أنه هو: الغفور الرحيم، فلا يغفر الذنوب إلا هو، وذلك دال بدلالة اللزوم على قدرته، عز وجل، إذ ليست المغفرة لسواه فلا يقدر عليها غيره، فالمغفرة والحرمان ليست لأصحاب الصكوك ومن ضاهاهم من مبتدعة أهل القبلة ممن غلوا في الأئمة والشيوخ.
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ: فخيانة الرسالة المنزلة لا تكون إلا فرعا عن خيانة منزلها، عز وجل، فالجناس الاشتقاقي بين: "خِيَانَتَكَ" و: "خَانُوا" يزيد قبح فعلتهم بيانا.
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ: إذ الخيانة نقص مطلق فلا تحسن مقابلتها بجنسها إذ لا تقبل الانقسام كصفات: المكر والخداع فيكون منها الممدوح الذي يليق بجلال الباري، عز وجل، وعظمته والمذموم بل كل صورها مذمومة، فهي خدعة في مقام الائتمان وذلك من القبح بمكان فلا يمكن معه تصور وجه حسن فيه، ولذلك قابل خيانتهم بالإمكان منهم.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ: تذييل يناسب السياق، فهو العليم بما في صدروهم الحكيم في تدبيره الكوني بالإمكان منهم.
والله أعلى وأعلم
ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 05 - 2009, 05:04 ص]ـ
ومن قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: آمنوا أصلا، ثم تفرع عن إيمانهم خصوص أعمال هي من الإيمان، فالعطف من قبيل: عطف الخاص على العام، عناية بشأنه، فإن في الهجرة وترك الأوطان، من منافرة الطبع امتثالا لأمر الشارع، عز وجل، ما يدل على صحة الإيمان، فضلا عن الابتلاء بالجهاد بالأموال والأنفس، ففارقوا الأوطان، وبذلوا الأموال، بل والمهج في سبيل الله، جل وعلا، وذلك برهان صدق، لا يقوى عليه كثير من المدعين، فما أسهل الدعوى وأصعب الدليل، إذ الدليل: عملي، والأعمال أثقل شيء على النفوس، فهي الفاضحة التي يعرف بها من بكى ممن تباكى، والحمد لله على نعمة الستر بالمعافاة من البلايا التي تكشف معادن الرجال وهممهم.
وعلى طريقة الوحي في الإجمال ثم البيان في المواضع التي يحسن فيها التشويق، جيء بالموصول المجمل ابتداء، ثم عقب بالصلة المبينة مع ما عطف عليها، فالصفات التي اشتقت منها تلك المتعاطفات هي علل ما يأتي من الأحكام، فضلا عما في تقديم المسند إليه: "الذين" في مثل هذا الموضع من تشويق، فالتشويق داخل من الوجهين.
وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا: القسم الثاني وهم الأنصار، وما قيل في تعلق الحكم بالأوصاف التي اشتقت منها الصلة في القسم الأول يقال هنا، أيضا، فاستوفت القسمة المؤمنين الذين امتازوا بدار الإسلام، فهم فئة متميزة عن فئة الكفار.
¥