تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 06 - 2009, 05:16 ص]ـ

قَالُوا يَا مُوسَى: تعد في الخطاب بقرينة السياق، فنداء البعيد للقريب مظنة رفع الصوت فضلا عن مخاطبته بالاسم المجرد عن وصف النبوة.

إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ: تقديم للعلة على معلولها.

وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا: المعلول، وفيه دلالة على كون لن ليست نصا في التأبيد، بخلاف ما ذهب إليه صاحب الكشاف، غفر الله له، إذ حدوا غاية امتناع دخولهم بخروج الجبارين منها.

وأكدوا امتناعهم بتصدير الجملة بـ: "إن" فضلا عن دلالة: "لن" على النفي المؤكد وإن لم يكن مؤبدا كما تقدم.

فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ: توكيد لما تقدم، فيه إشعار بلزومهم تلك الطريقة، فنصوا صراحة، ثم أكدوا بتعليق المشروط المأمور به، بالشرط الذي وافق هواهم، وإنما أمروا بالدخول مطلقا، فقيدوه بما استحسنته عقولهم، وذلك شأن كل من حاد عن الأمر الإلهي، فإنه لا بد أن يعارضه بقياس أو ذوق يرى فيه وجه المصلحة وإن ألغاها الشارع، عز وجل، فيعتبر ما ألغاه، ويلغي ما اعتبره، وذلك مظنة الخذلان، إذ معارضة الشرع بالعقل أو الذوق من أسباب فساد الأديان.

قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ: إيجاز بالحذف على تقدير: يخافون الله، وفيه تعريض بمن عداهما، إذ مفهومه أن نكوصهم عن دخول الأرض المقدسة فرع عن نقص الخوف من الله، عز وجل، في قلوبهم، فلو خافوه لسارعوا إلى تنفيذ أمره خشية عقابه، وفي التنزيل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا: إطناب في مدحهما بذكر وصف ثان لهما هو بمنزلة العلة لما تقدمه، فالخوف من الله، عز وجل، وهو من العبادات القلبية، نعمة منه، جل وعلا، وفضل، والتزام الطاعة والدوام على العبادة أعظم كرامة لمن تأملها إذ بها صلاح الدارين، فذلك الخوف الشرعي إنما هو فرع عن نعمة سابغة بتصريف قلوبهما عليه بمقتضى الأمر الكوني، وهذا أصل مطرد في باب القدر، إذ أفعال العباد من طاعات أو معاص لا تقع إلا بأمر كوني نافذ، فإذا كان الفعل طاعة، اجتمع له الإرادتان: الشرعية الآمرة والكونية النافذة، وإن كان معصية كان واقعا بمقتضى الأمر الكوني وإن كان على خلاف الأمر الشرعي لحكمة تفوق مفسدة وقوعه، فهو شر باعتبار نفسه، لا باعتبار فعل الله، عز وجل، ففعله كله خير، فالمحنة العاجلة بِشَر تكرهه النفوس: منحة آجلة لمن تدبره وعمل فيه بمقتضى أمر الشرع فاستخرج به من الخير الآجل ما تقر به عينه.

وخرجه بعض أهل العلم على كونه خبرا أريد به إنشاء الدعاء لهما، بالنعمة الربانية السابغة، فرعا عن التزامهما الحكم الإلهي الآمر، ولا إشكال في حمل الآية على ذلك، إذ الثناء في كلا الحالين متحقق، إما بالوصف الحسن، أو بالدعاء لهما بالتلبس بذلك الوصف.

وإلى طرف من ذلك، أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله: " {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} أي بالتثبيت وربْطِ الجأش والوقوف على شؤونه تعالى والثقة بوعده، أو بالإيمان وهو صفة ثانيةٌ لرجلان، أو اعتراض، وقيل: حال من الضمير في يخافون أو من رجلان لتخصّصه بالصفة". اهـ

فقوله: اعتراض: إشارة إلى الاعتراض بجملة الدعاء الإنشائية في سياق خبري.

وتخريجه على الحالية لا ينافي دلالته الوصفية، إذ الحال وصف في المعنى، بدليل كونها مشتقة أو مؤولة بالمشتق، فالدلالة المعنوية فيها بارزة، وقد سوغ مجيئها من النكرة: "رجلان" على هذا التخريج: وصفها، وهو ما أكسبها نوع تخصيص، فصارت إلى المعرفة أقرب وبها أشبه فجاز مجيء الحال منها.

ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ: أمر تحريض على الامتثال، وقدم "عليهم" وحقه التأخير إشارة إلى المراد أصالة وهو: دخولكم عليهم حال كونهم في بلدهم، لا دخولكم البلاد وقد خرجوا منها كما أردتم، فرعا عما استقر في قلوبكم من جبن وهلع.

وفي السياق إيجاز بحذف الجار على طريقة: "الحذف والإيصال"، فتقدير الكلام: ادخلوا عليهم من الباب، وفيه دلالة على معنى التمكن من الفعل، وذلك أبلغ في حثهم على الامتثال، وهو من جهة أخرى دليل على تخاذلهم حتى احتاجوا إلى كل تلك المحفزات، فعالي الهمة لا يحتاج من يحفزه، إذ همته، قد بلغت الغاية، بخلاف ساقط الهمة الذي يحتاج إلى الحث والحض باستمرار: ترغيبا وترهيبا، فلا يمتثل إلا إذا حمل على الامتثال حملا بوعد أو وعيد، وغالبا، ما يكون الوعيد في حقه أليق، إذ النفوس المعلقة بالدنيا، المفرطة في أمر الدين لا يناسبها إلا الترهيب بأوصاف الجلال الربانية لترجع إلى جادة الشرع خشية العقاب.

فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ: وعد في مقام التحريض على الفعل يلهب همة الناكص أو المتردد، وذلك حالهم فناسب أن يرد ذلك الشرط في معرض الأمر، على طريقة: تقدم ولا تخف فإنك منصور إن شاء الله. وأكد الجواب بـ: "إن" على ما اطرد من الحث والتحريض.

وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: إلهاب آخر لاستنهاض الهمم القاعدة، على طريقة: إن كنت رجلا فافعل، وفيه حصر وتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، فعلى الله وحده توكلوا، وفيه تعريض بمن نكص، إذ ذلك مئنة من ضعف توكله على الله، عز وجل، فينتفي عنه بدلالة المفهوم: وصف الإيمان بقدر ذلك الضعف، وتوارد هذا العدد من المحفزات مئنة من خسة همة المخاطب وضعف نفسه إذ كثرة التداوي مئنة من عظم الداء.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير