تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 06 - 2009, 05:12 ص]ـ

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا:

بعثا شرعيا، إذ لو كان كونيا ما وسعهم المخالفة، وقد خالفوا فدل ذلك على أنه من باب الشرع الآمر، ولا بد للجهاد من راية شرعية، فهو أمر لا يقوم به آحاد المكلفين، إلا في أحوال بعينها كمداهمة العدو أرض المسلمين.

وقد أكد الحكم بـ: "إن"، وناسب ذكر اسم: "الله" في معرض تقرير الشرع، على القول باشتقاقه من معنى التأله، وإنما يتأله العباد لربهم بامتثال أمره الشرعي الحاكم.

وفي اللام معنى الاختصاص، من باب التأنيس لهم فما بعث إلا لكم لتنتظم صفوفكم تحت قيادته.

قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا: استفهام فيه معنى الإنكار والتعجب، وذلك سوء أدب مع الملك، عز وجل، الذي امتن عليهم ببعث طالوت، فعارضوا الحكم الشرعي بقياسهم العقلي، وذلك مسلك إبليسي، فإبليس أول من عارض الحكم الشرعي بقياسه العقلي الفاسد، فالنار في قياسه أفضل من الطين، والفاضل لا يسجد للمفضول، وهو قياس فاسد المقدمة، إذ الطين أفضل من النار من جهة كونه مادة نماء لما بذر فيه بخلاف النار فهي مادة فناء لما ألقي فيها، وفساد النتيجة فرع عن فساد المقدمة.

وجاء الإنكار بـ: "أنى" التي تحتمل: كيف، ومن أين، ومتى، ولا مانع من حملها على كل تلك المعاني على سبيل الاشتراك لعدم التعارض، بل ذلك آكد في تصوير استنكارهم فرعا عن نتيجة قياسهم الفاسد.

وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ: دعوى في مقابل الأمر بتمليك طالوت.

وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ: حال معللة لدعواهم، فمناط الاستحقاق عندهم: سعة المال، وذلك قياس عقول أرباب الدنيا.

قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ: اصطفاء شرعيا فرعا عما وهبه من العطية الكونية: عطية العلم والجسم.

عطية: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ: فذلك منزل منزلة العلة للحكم الشرعي، وعموم اللفظ فيها معتبر وإن وردت على سبب خاص، فصحة الجسم، وسعة العلم، مما اشترطه الفقهاء في أصحاب الولايات الكبرى، فليس لجاهل بشرع الله، عز وجل، تولي ولاية عظمى، كما هو حال أغلب أصحاب الولايات من الحكام والوزراء .......... إلخ في عصرنا الحاضر.

وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ: يحتمل أن يكون من كلام النبي، أو هو من التذييل لكلامه، فيكون من كلام الباري، عز وجل، وعلى كل فهو منزل منزلة العلة الجامعة، فالله، عز وجل، لا يسأل عما يفعل من إيتاء وحرمان لتمام قدرته فهو يؤتي ملكه من يشاء، ولتمام حكمته فهو وَاسِعٌ: له من سعة الذات وسعة الصفات وسعة الملك وسعة التدبير ما يهب به من شاء فضلا ويمنع به من شاء عدلا فرعا عن كونه: عَلِيمٌا بعباده فيعلم من يستحق ممن لا يستحق، وفي التنزيل: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، وفيس على عطاء الرسالة كل عطاء كوني وهبه من شاء من خلقه بمقتضى عموم ربوبيته.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 06 - 2009, 05:56 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ): تكرار لطول العهد، على وزان:

لقد علم الحي اليمانون أنني ******* إذا قلت أما بعد أني خطيبها

وجعله أبو السعود، رحمه الله، من باب إيجاز الحذف لما دل عليه السياق اقتضاء، إذ هو مشعر بانقطاع ما سبق عما لحق، فكأنهم سألوه آية لملك طالوت، فوقع الأخذ والرد، فقال لهم بعده:

إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ: الكونية، فالآية هنا ليست شرعية إذ لا تكليف فيها، وإن تعلق بها التكليف من جهة لزوم التصديق والامتثال بعد ورود الآية الكونية، وإلا وقع العذاب على ما اطرد من سنة الله، عز وجل، الجارية بإهلاك من طلب آية بعينها، فجاءت كما طلب فكفر بعدها، إذ قد ظهر له من أمارات الصدق ما لم يظهر لمن لم يطلب، فكان تكذيبه أقبح، فاستحق العقوبة العاجلة، إذ عظم العقاب فرع عن عظم الذنب، فلما أخل بالتكليف الشرعي مع قيام الداعي لامتثاله من الإعجاز الكوني الذي اشترطه صار أهلا للعقوبة الكونية فرعا عن الإرادة النافذة، فالتكليف فرع عن الإرادة الشرعية، والعقوبة لمن أخل به فرع عن الإرادة الكونية، والتكليف فرع من صفة الحكمة الربانية، وهي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير