تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

صفة جمال ذاتية، والعقوبة فرع من صفة الشدة في نحو قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وهي صفة جلال فعلية، فصفات الجمال القائمة بالذات القدسية تورث في النفس الرغبة في الأجر فرعا عن امتثال مقتضى الشرع، وصفات الجلال المتعلقة بالمشيئة الكونية تورث في النفس الرهبة خشية وقوع العقاب فرعا عن مخالفة مقتضى الشرع، وهذا أصل نفيس، أشار إليه ابن القيم، رحمه الله، إذ المحبة مرادة لذاتها فتعلقت بصفات الجمال الذاتية، والخوف مراد لغيره إذ به تجتنب المعاصي، فمتعلقه الكف، والفعل أشرف منه، فتعلق بصفات الجلال الفعلية.

أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ: في مستقبل أمركم لتمحض الفعل للاستقبال بدخول "أن" عليه، فضلا عما للمصدر المؤول من دلالة توكيدية تفوق دلالة المصدر الصريح، ولو من جهة زيادة المبنى فهو مئنة من زيادة المعنى كما اطرد في كلام البلاغيين.

و: "أل" في التابوت: عهدية ذهنية تشير إلى تابوت بعينه له من الأوصاف:

فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ: فالجملة الحالية وصفية في معناها، وتقديم ما حقه التأخير مئنة من الحصر والتوكيد، وذلك أبلغ في بث الطمأنينة في نفوسهم بإتيانه، ففيه يقينا لا في غيره السكينة التي بها يثبت الله، عز وجل، عباده المؤمنين في ساحات الوغى في مقابل نزعها من قلوب أعدائه، مصداق قوله تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)، وفي تنكير السكينة: تعظيم لقدرها، فضلا عن ابتداء غايتها من الله، عز وجل، فليست كأي سكينة من أي أحد، بل هي سكينة ممن بيده تصريف القلوب إقامة وإزاغة، فهو الرب الذي تجري الأمور وفق كلماته الكونيات النافذات، فمن شاء أقامه فضلا، ومن شاء أزاغه عدلا، وإنما تستخرج كوامن الصدور في أوقات الشدة، كما سيأتي إن شاء الله، فيقع الابتلاء الكوني بلقاء العدو، فبه تفتضح كثير من النفوس، بظهور خسة معدنها، وإن بدا نفيسا في أوقات الدعة، ولا يأمن مكر الله، عز وجل، إلا مغرور، ولا يتمنى الابتلاء إلا جاهل بعواقبه، ولا يسأل الله، عز وجل، السلامة، إلا مقر بضعفه مظهر لعجزه في مقابل قوة وقدرة الرب العلي القهار، جل وعلا، فمنه وحده التثبيت، وبه وحده التوفيق.

وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ: وفيه دليل على جواز التبرك بآثار الأنبياء عليهم السلام، وذلك بمقام الشدة أليق، ولا يعني ذلك اعتقاد النفع والضر في ذاتها بل هي سبب مشروع، فلا استقلال له بنفسه في التأثير بل هو تابع لإرادة مجري الأسباب جل وعلا.

تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ: حال ثانية تزيد وصف التابوت بيانا، وحملان الملائكة له مئنة من عظم شأنه، وتأنيس للمقاتلين وحفز لهممهم، إذ الملائكة من آكد أسباب النصر الغيبية.

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: توكيد بـ: "إن" واللام المزحلقة في: "لآية"، في معرض الحض، والشرط للإلهاب على ما اطرد من طريقة: إن كنت رجلا فافعل، فإن كنتم مؤمنين حقا فتلك آية كونية أرسلت لكم فامتثلوا أمر نبيكم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 06 - 2009, 05:52 ص]ـ

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ:

إيجاز بحذف مقدرات دل عليها السياق إذ جاء التابوت آية لهم، فارتضوا طالوت ملكا، فأعد الجيش، وانتظم الجند فسار بهم طالوت حتى جاوزوا مساكنهم وفارقوا ديارهم طلبا لعدوهم، على وزان الحذف في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ)، أي: فأرسلوه فدخل على يوسف عليه السلام وقال له: يوسف ........... وذلك مما تطمح إليه نفوس البلاغيين دون النحويين، كما أشار إلى ذلك ابن هشام رحمه الله في "المغني"، إذ الحذف هنا من باب: حذف ما دل عليه السياق اقتضاء فليس له وجه نحوي كحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ........... إلخ من صور الحذف التي قررها النحاة في كتبهم فهي وثيقة الصلة بالمبنى لا بالمعنى،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير