تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 06 - 2009, 05:43 ص]ـ

وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ: فتعين القتال على كل حاضر، وتلك أشد ساعات الابتلاء، ولا أشق على النفس من الفروض العينية فهي بطبعها تميل إلى التنصل والتملص من التكليف، فإن لم يقيدها صاحبها بقيد الشرع الحاكم تفلتت، وهذا حال أغلب المكلفين إلا من رحم الله، عز وجل، فالثبات على طريق الهداية أشق من معرفته والسير عليه، فالحجة الرسالية قائمة ببيان الطريق لكل مكلف، وتلك أيسر المنازل، ويليها السير على طريق الهداية، وتلك أعلى من الأولى فليس كل من علم عمل، بل لا تكون إرادة العبد في مباشرة الفعل إلا فرعا عن إرادة الله، عز وجل، الكونية بخلق تلك الإرادة فيه، وخلق ذات الفعل.

وأصعبها الثبات على طريق الحق، فكثير سار وقطع أشواطا إلى الله، عز وجل، ثم انقطع عن السير، إذ الطريق موحش، والسالكون قلة، فإن لم يثبت الله، عز وجل، العبد في سيره، زل وانفسخت همته فانقطع عن السير، وكذلك حال المقاتل ساعة لقاء العدو، وقد تعين القتال وصارت الأماني حقائق، مصداق قوله تعالى: (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ). ولذلك كان تمني ذلك الابتلاء مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خشية افتضاح صاحبه حيث لا محيص، فإن فر المقاتل في الدنيا موليا دبره، فأنى له الفرار يوم التناد، فقتال العدو: أمر ندب إليه الشارع، عز وجل، ولكنه لا يكون بحماسة يوكل صاحبها إلى نفسه، بل إظهار الضعف والتضرع كما صنع أولئك ساعة لقاء جالوت وجنوده هو مفتاح النصر.

فكان دعاؤهم:

رَبَّنَا: إذ استمدوه من عطاء ربوبيته: صبرا للجنان، وتثبيتا للأقدام، وعطفهما من قبيل عطف المتلازمات، إذ الجوارح الظاهرة تعكس صورة القلب الباطنة، فالعلم تصور والعمل حكم، ولا يصح حكم بلا تصور صحيح، فإذا صح القلب علما وعملا، كان ذلك مئنة من استقامة الجوارح على الطاعة، وصورتها يوم الزحف: الثبات وعدم التولي.

والإفراغ مئنة من الكثرة، كما ذكر ذلك أبو السعود، رحمه الله، فلقائل أن يقول: إن في السياق: استعارة الإفراغ الحسي للإفراغ المعنوي: استعارة مكنية تبعية، إذ شبه الصبر بالماء المصبوب بكثرة غامرة، فذلك المعنى المتبادر إلى الذهن من لفظ: "أفرغ"، وحذف المشبه به وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو فعل الإفراغ، ويؤيده تنكير الصبر تعظيما، فذلك مما يرجح مقابلته في الاستعارة بالماء الكثير الذي بلغ حد الصب بالإفراغ صبا غامرا متواليا لا ينقطع، فيكون مدد الصبر منه، جل وعلا، متجددا لا انقطاع له، فيحصل للمقاتل الصبر في كل مراحل المعركة، وآكدها الساعة الأخيرة فإنها أحرج ساعات القتال، والنصر لمن صبر فيها كما علم ذلك من باشر القتال وشدته.

وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ: عطف لازم على ملزومه، فالنصر فرع الصبر، كما تقدم، وفي وصفهم بالكافرين تضرع إلى الله، عز وجل، بمفهوم السياق، فهو توسل بإيمانهم في مقابل كفر خصمهم، وقد وعد الله، المؤمنين النصر في الأولى والآخرة، مصداق قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 07 - 2009, 07:04 ص]ـ

فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ: الفاء للفورية إذ نزل النصر بتحقق أسبابه وشرائطه، ولو تخلفت الأسباب لتخلف النصر، فهو حكم كوني يماثل الحكم الشرعي في كونه يدور مع علله وأسبابه وجودا وعدما، فلما بذلوا الأسباب الشرعية من إعداد عدة وصبر على الابتلاء زمن الورود على النهر ودعاء وتضرع زمن اللقاء، لما استكملوا تلك الأسباب: نزل النصر بإذن الله، الكوني، فمدد الربوبية لا يستجلب إلا بكمال الألوهية، فلا يتنزل نصر على عصاة لم يستكملوا أسباب النصر الشرعية، وتلك سنن جارية لا تجامل ولا تداهن أحدا وإن كان الصحب الكرام، رضي الله عنهم، خير طباق الأمة، فقد تخلف الشرط في حقهم يوم أحد، وإن كانوا متأولين غير عامدين، فجرت عليهم سنة الابتلاء بما مسهم من القرح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير