تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي السياق نوع تناسب وتلاؤم بين إذن الله، في قولهم: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، في مقام التضرع، وقوله تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ)، في مقام الانتصار لأهل الإيمان، فكلاهما من: الإذن الكوني النافذ، وذلك من حسن السياق بمكان كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ: وذلك من الخاص بعد العام، وفيه مزيد بيان للنعمة الربانية على ذلك الجيش، إذ كانت الهزيمة ساحقة والضربة قاضية بمقتل رأس العدو، إذ قتل القائد مظنة انفراط عقد الجيش مهما بلغت قوته، والتاريخ العسكري شاهد بذلك، ويوم بلاط الشهداء، رجحت كفة المسلمين ابتداء حتى قتل الغافقي، رحمه الله، أعظم ولاة الأندلس في دورها الأول: دور الولاة، بل لعله من أعظم من تولى أمر الجماعة في أندلسنا المفقود، فلا يعادله إلا رجال من أمثال الداخل والناصر والحاجب المنصور، فلما قتل دبت الفوضى في صفوف المسلمين فكان ما كان من هزيمة البلاط الأليمة التي أوقفت زحف الإسلام نحو باريس، فكان ذلك سببا في تأخر أوروبا عن ركب الحضارة قرونا أخرى بعد أن تصدت في عنصرية بغيضة لشعاع النور الساطع من قرطبة.

وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ: وذلك، أيضا، من الخصوص بعد العموم إطنابا في بيان المنة الربانية على داود، عليه السلام خصوصا، فقد أوتي الملك والنبوة، والإطناب بذكر أفراد النعمة الربانية مما يلائم سياق الامتنان بها، ولم يجتمع الأمران لأحد قبله من بني إسرائيل إذ كانت النبوة في سبط والملك في سبط آخر.

وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ: من علوم النبوات، فهو من عطف اللازم على ملزومه، وهو جار على ما تقدم من الإطناب في معرض الامتنان.

وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ: وتلك سنة كونية جارية: سنة التدافع.

لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ: باستيلاء أهل الفجور عليها، ولكن الله قيض لهم من يدحض حجتهم بالبرهان ويكسر شوكتهم بالسنان.

وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ: فلم تفسد الأرض، لما تقدم، من ظهور حجة الله البالغة، فلن تخلو الأرض من قائم لله بحجة. والتنكير في: "فضل": مئنة من التعظيم، ففضله على عباده عظيم: فضل كوني بأنواع الأسباب الكونية التي تقوم بها الأبدان، فهو، جل وعلا، المقيم المقيت لها بأنواع القوت الحسي، وفضل شرعي، وهو أعظم صور الفضل فبأنواع الأسباب الشرعية التي جاءت بها النبوات، تحيى القلوب بالعلوم النافعة والجوارح بالأعمال الصالحة، فهي قوت معنوي نافع أجراه الله، عز وجل، على القلوب إقامة لها على التوحيد العلمي، وعلى الأبدان إقامة لها على التوحيد العملي. فثنائية: العلم الذي يصح به التصور والعمل الذي يصدقه: ثنائية مطردة في دين الإسلام، فلا صلاح إلا بكليهما، فعلم بلا عمل مسلك الأمة الغضبية من يهود قتلة الرسل والأنبياء، وعمل بلا علم مسلك الأمة الضالة من النصارى عباد الصليب. وكل خير في مخالفتهما، وكل شر دخل على هذه الأمة فإنما يرجع عند التحقيق إلا اتباع طرائقهم العلمية والعملية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 07 - 2009, 06:40 ص]ـ

تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ:

أي ما تقدم على طريقة العرب في الإشارة إلى ما انقضى قريبا بإشارة البعيد، أو لبيان علو مكانة تلك الآيات، فهي آيات شرعية من جهة كونها أخبارا، وهي آيات كونيات من جهة دلالتها على تأييد الله، عز وجل، أنبياءه وأوليائه، وإن قلت فئتهم، فلهم من الأسباب الغيبية من تأييد الملائكة، مصداق قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا)، فهي عامة في حق كل فئة مؤمنة، لهم من ذلك النصيب الوافر، وإن فاقهم عدوهم في الأسباب المشهودة من عدد وعدة وعتاد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير