تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ: إشارة إلى الرسل عليهم السلام بإشارة البعيد مئنة من علو مكانتهم، مع وقوع التفاضل بينهم، فإن ذلك لا يعني انتقاص المفضول، وعلى ذلك خرج النهي عن المفاضلة بينهم، فالمنهي عنه: التفضيل المفضي إلى التعصب للفاضل وانتقاص المفضول، وهما أمران متلازمان لا انفكاك لهما، إذ لا يخلو المتعصب عادة من جهل مركب بحال الفاضل فيظنه على غير ما هو عليه غلوا كمن يعتقد صفات الألوهية في نبي أو إمام أو شيخ ......... إلخ، كحال غلاة الأمم، وجهل مركب آخر بحال المفضول فيظنه على غير ما هو عليه جفاء، وتأمل حال يهود الذين جفوا في حق المسيح عليه السلام حتى طعنوا في نسبه في مقابل غلو النصارى فيه حتى أنزلوه منزلة الألوهية، فلا الأولون نزهوه عما لا يليق بمقام النبوة، ولا الآخرون عرفوه بأوصاف النبوة الحقة بل خلعوا عليه من الأوصاف ما لا يجوز في حق بشر أصلا وإن كان من صفوتهم، بل من أولي العزم منهم، فكلاهما عند التحقيق لم يعرف مذمومه أو ممدوحه، فاليهود ذموا مسيحا لا وجود له، والنصارى أطروا مسيحا آخر لا وجود له، أيضا، والمسلمون عرفوا المسيح الحق عليه السلام فأعطوه حقه من أوصاف الكمال إثباتا، ونزهوه عما لا يليق بمقام النبوة نفيا، فهو: عبد الله: وتلك أشرف منازل العالمين عموما، والمرسلين خصوصا، فليس فيه ولا في غيره من أوصاف الألوهية شيء، بل هو من جهة أصل الخلقة: بشر كسائر البشر يجري عليه ما يجري عليهم من السنن الكونية من: مرض وموت وابتلاء بالآلام ......... إلخ، وإنما خص بوصف الرسالة تلقيا وأداء، وفي التنزيل: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فذلك القدر المشترك بين الرسل وبقية البشر، و: (يُوحَى إِلَيَّ) فذلك القدر الفارق، فمن نظر إلى القدر المشترك دون القدر الفارق: مال إلى جفاء يهود في حق الأنبياء فالتسوية بينهم وبين البشر من كل وجه كحال من يجعلهم: ساسة ومصلحين لهم قوى علمية وتأثيرية في العالم، فمؤدى قوله الحط من مقام النبوات بجعلها من جنس الملكات البشرية، فتصير قابلة للاكتساب بالدربة!، كما زعم غلاة الفلاسفة ومن سار على طريقتهم ممن يعظم الأنبياء تعظيم القادة والساسة، فيجعلهم من جنس نابليون أو جيفارا أو .......... إلخ، ومن نظر إلى القدر الفارق: القدر الغيبي الذي اختصوا به من الوحي الإلهي دون نظر إلى القدر المشترك مال إلى غلو النصارى فأطراهم بما ليس فيهم: فأصل خلقتهم من غير الطين الذي خلقت منه السلالة الآدمية، ولهم من علوم الغيب ما يضارع العلوم الربانية التي اختص بها الله، عز وجل ........... إلخ من صور الغلو التي تخرج بصاحبها عن جوهر التوحيد الذي بعث الرسل بتقريره إلى عين الشرك الذي بعثوا بإبطاله وتفنيده.

وتأمل حال غلاة المبتدعة الذين غلوا في آل البيت، رضي الله عنهم، وقدحوا في الأصحاب، رضي الله عنهم، فوقعوا في جنس ما وقعت فيه النصارى من الغلو، وجنس ما وقع فيه اليهود من الجفاء، فجمعوا السوأتين، إذ لا انفكاك لهما، كما تقدم، فلا هم، أيضا، عرفوا من يظهرون الانتصار له على حقيقته، ولا هم عرفوا من يقدحون فيه على حقيقته، بل غلوا في معدوم وجفوا في معدوم!، فالجهل المركب كائن في كليهما، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا صح التصور بعلم صحيح صح الحكم، وإذا فسد بجهل بسيط أو مركب فسد الحكم، ولذلك كان العلم أول منازل العمل، إذ به يصح نية وصفة، فتصحيح النية يكون بالعلم، وتصحيح العبادة صفة وهيئة يكون، أيضا، بالعلم.

وقاعدة القدر المشترك والقدر الفارق، كما قال المحققون من أهل العلم، أصل جليل في مثل تلك المضائق، فإنه لا بد من وجود قدر مشترك بين الموجودات ولو في أصل صفة الوجود، وقدر فارق يظهر به التباين بينها تبعا للتباين في أعيانها وأوصافها.

فوصف النبوة: قدر مشترك تساوى فيه الأنبياء عليهم السلام. وتفاضلوا في القدر الفارق، فأولوا العزم عليهم السلام أفضل ممن سواهم، وموسى عليه السلام، أفضل من نوح وعيسى، عليهما السلام، والخليل، عليه السلام، أفضل منهم، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضلهم بل هو أفضل الخلق جميعا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير