تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووصف الصحبة: قدر مشترك تساوى فيه الصحابة رضي الله عنهم. فتثبت الصحبة لكل من رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طالت الرؤية أو قصرت، لازمه أو لم يلازمه، كلمه أو لم يكلمه، روى عنه أو لم يرو، تثبت لكل من ذلك وصفه إذا مات على الإسلام ولو تخلل ذلك ردة على الصحيح من أقوال أهل العلم.

وتفاضلوا في القدر الفارق، فالخلفاء الأربعة، رضي الله عنهم، أفضل ممن سواهم، وعثمان، أفضل من علي، رضي الله عنهما، وإن ساغ الخلاف في التفضيل لا في التقديم في الخلافة، فلا يضلل من قال بذلك ما لم يجره ذلك إلى انتقاص عثمان، رضي الله عنه، وإن كان قول جماهير أهل السنة، في هذه المسألة، أولى بالاتباع فرعا عن كونه ثابتا بإجماع أهل المدينة قبل تفرقهم في الأمصار، وعمر، رضي الله عنه، خير منهما، وأبو بكر، خيرهم، بل هو خير من وطئ الثرى بعد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، فهو الصديق الأعظم والولي الأول.

وقل مثل ذلك في مسائل كالإيمان واختلاف الناس في حقيقته:

فإن فيه قدرا مشتركا بين عموم المؤمنين: وهو مطلق التصديق الذي لا يثبت عقد الإسلام إلا به.

وقدرا فارقا: وهو ما يتفاضل فيه الناس من أعمال القلوب والجوارح.

فهو يزيد وينقص تبعا لزيادتها ونقصانها: زيادة الكل باستيفاء أجزائه أو نقصانه بتخلفها دون ذهابه بالكلية إلا إذا وقع في ناقض للأصل، بخلاف مطلق التصديق، وإن ذكر بعض أهل العلم أنه، أيضا، مما يتفاوت باعتبار النظر والتأمل في الأدلة فليس تصديق النبي أو الصديق كتصديق آحاد المؤمنين.

وفي باب الصفات:

يوجد قدر مشترك في بين أي موصوفين هو الحقائق الكلية المشتركة في الذهن، وقدر فارق في الحقائق الجزئية في الخارج. فلكل موصوف حقيقة مستقلة باستقلال ذاته تباين حقيقة بقية الموصوفات، وتباين الصفات فرع عن تباين ذوات الموصوفات.

وفي باب البلاغ: يلزم المبلِغ، لا سيما في أمور الديانة، وفي أمور الغيب التي تحار فيها العقول وإن كانت لا تجيلها إلا أنها مظنة الفتنة إذا كان المخاطب ضعيف العقل، يلزمه أن ينظر بعين الاعتبار إلى القدر المشترك بين أفهام الناس، فيحدثهم بما لا تستنكره العقول الصريحة والفطر السوية، ومن رحمة الله، عز وجل، أن علق النجاة على تصديق أخبار وامتثال أحكام لا غموض فيها ولا خفاء، فكل المكلفين يمكنهم إدراك معاني التوحيد، بل ذلك مما ركز في فطرهم فلا يجدون مشقة في تصديقه إجمالا، وتصديق بقية الغيبيات على سبيل الإجمال، أيضا، وامتثال الأحكام الشرعية من العبادات القولية والبدنية التي لا يجد المؤمن، وإن لم يكن من أهل العلم، صعوبة في أدائها بل الإقبال عليها لما يجده من أثرها البارز في صلاح دينه ودنياه، فهي حافظة للقلب حافظة للبدن، فبحفظ الدين: الضرورة الأولى: يحفظ القلب، وبحفظ النفس والعرض والعقل والمال يحفظ البدن: آلة التكليف، فالقصاص من القاتل يحفظه من التلف، وتحريم الفواحش يحفظ نسبه من الاختلاط المفضي إلى التشريد والضياع، وتحريم الخبائث من المسكرات يحفظ عقله من الزوال المفضي إلى فساد الرأي والعمل، وعقوبات الجنايات المالية من قطع للسارق وتعزير للمختلس والمنتهب ...... إلخ تحفظ المال الذي هو عصب الحياة فبه تحفظ الأديان والأبدان معا.

فذلك القدر المشترك بين عموم المكلفين.

وأما القدر الفارق من دقائق المسائل التي لا يدركها إلا أهل الاختصاص في كل فن، فتلك لا تنفع حكايتها لعموم المكلفين بل قد تضر إن كان فيها من الشبهات ما قد يعلق بالقلوب الضعيفة لا سيما مع قلة العلم وغلبة الجهل، إلا إن تعين ذكرها على سبيل التحذير من فتنة قد أثيرت، فيكون ذكرها من باب البيان الذي قد قامت الحاجة إليه، فتذكر على سبيل الرد لا على سبيل التقرير والبسط ابتداء دون حاجة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير