تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومثلها أخبار الفتنة التي وقعت بين الأصحاب، رضي الله عنهم، متأولين الحق مجتهدين في طلبه، فتلك من مراتع الكفار الأصليين وأهل البدعة المغلظة ومن سار على طريقتهم من أفراخ العلمانية المعاصرة، إذ هي مادة دسمة للطعن في دين الإسلام بالطعن في حملته، وتشكيك عموم المسلمين في أصل ملتهم، وذلك منتهى إرادة القوم، فهو نصر بارد لا عناء فيه سوى جمع القصص المكذوب من كتب كذبة الإخباريين الذين يسيرون على طريقة "ألف ليلة وليلة" التي تصلح لمؤانسة رواد المقاهي الشعبية!، فيصير الدين مجرد قصص وأساطير، وتلقى المصادر الأصلية من نصوص الكتاب والسنة خلف الظهور إذ فيها ما ينقض ذلك الغزل الواهي نقضا. فتلك، أيضا، مما لا يشرع الخوض فيه إلا على سبيل التحذير من مقالة فاسدة، وما أكثر مقالات السوء في الصحب، رضي الله عنهم، في هذا الزمن الذي انتفش فيه أهل الباطل من الكفار والمبتدعة، ولعل ما يتعرض له عمرو بن العاص، رضي الله عنه، على سبيل الخصوص، في مصر من حملات مسعورة من النصارى والعلمانيين الذين يسيرهم الكفار تارة والمبتدعة تارة أخرى، فهم مع من أظهر الطعن في الإسلام أيا كان شخصه، لعل تلك الحملات من قبيل مقالة حادثة أظهرها ساذج نعت عمرا، رضي الله عنه، بالمكر على طريقة دهاقنة السياسة المعاصرين فهو الذي يلعب بـ: "البيضة والحجر" كما يقال عندنا في مصر، والتطهير العرقي على طريقة سفاحي الحروب الحديثة، والإرهاب الفكري فهو عدو الفكر الإنساني الذي حرق مكتبة الإسكندرية .............. إلخ، لعل ذلك من أبرز أمثلة تلك الحملة المنظمة، وهي اتهامات تدل على جهل مركب حتى بالتاريخ المصري من منظور نصراني إذ لم يورد أحد من مؤرخي تلك الحقبة من النصارى شيئا من تلك الافتراءات، بل المتواتر عند عقلائهم ما نعم به أسلافهم من حرية دينية بعد زوال الاحتلال الروماني الذي يشاركهم الملة وإن خالفهم النحلة، إذ كانت مصر قبل الفتح الإسلامي نموذجا للاضطهاد الديني، بل المذهبي، وكان قبط مصر خير عون لجيش الفتح في الطريق إلى فتح الإسكندرية عاصمة مصر آنذاك، وكان من شروط اتفاقية الجلاء الروماني، إن صح التعبير، ألا يتعرض المسلمون لكنائس النصارى ولا يتدخلوا في شئونهم الدينية ولا تزال كنائسهم الأثرية باقية إلى يوم الناس هذا شاهد عدل آخر على وفاء المسلمين بعهودهم، ولك أن تقارن بنود تلك الاتفاقية ببنود اتفاقية استسلام غرناطة وكانت تتضمن هي الأخرى وعودا مؤكدة بالأيمان الملكية المغلظة بالحفاظ على حرية المسلمين الدينية ولكنها تبخرت بعد سنوات قليلة وظهرت إلى الوجود مأساة الموريسكيين ومحاكم التفتيش الكنسية التي يخجل أي نصراني ويشمئز أي آدمي من مجرد ذكرها أو تخيل ما نقل من صور التعذيب الوحشي في أقبيتها، لك أن تقارن بين أولئك وأولئك، والكل يحظى بلقب الفاتح، لتدرك الفارق بين فتح المسلمين وفتح غيرهم، ولكن قلوبا أعماها التعصب فبثت تلك الأراجيف وقلوبا أخرى أعماها الجهل فصدقتها وانتحلتها لا يستغرب منها التعدي على أولئك السادة بل قد تعدوا على من هو أعظم منهم من الرسل عليهم السلام لا سيما خاتمهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قد تعدوا على رب العالمين بنعته بأوصاف يتنزه عنها آحاد المخلوقين فعلام العجب؟!.

والشاهد أن أهل الحق قد اضطروا في هذه الأزمنة إلى الخوض في تلك الدقائق مع كونها من القدر الفارق، لمصلحة تربو على مفسدة ما قد تحدثه من اضطراب لبعض الأفهام، والضرورة تقدر بقدرها، وقول علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون ; أتحبون أن يكذب الله ورسوله": أصل في هذا الباب.

وعودة إلى سياق الآية:

إذ وجه التفاضل في صدرها مجمل على طريقة التنزيل في إيراد المجمل من باب التشويق استحضارا لذهن المخاطب ثم التذييل بالمبين فيقع في النفس أبلغ موقع.

مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ: إشارة إلى الكليم عليه السلام، وفي السياق التفات من التكلم إلى الغيبة على ما اطرد من تربية المهابة في النفوس إذا كان ذلك في حق الله، عز وجل، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير