َلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ: وذانك وجها القسمة العقلية، فكان وقوع القتال بالأبدان حتما فرعا عن وقوع الخلاف في الأديان، كما تقدم، فليست الحروب: حروب مصالح استراتيجية، وإن كانت تلك مما يأتي تبعا، بل هي حروب عقاد دينية فتلك: سنة ربانية جارية إذ التدافع بين الحزبين قائم حتي يأتي أمر الله بظهور الحق.
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا: توكيد بالتكرار على أن ذلك من السنن الربانية المتعلقة بالمشيئة الكونية النافذة، فلو شاء الله، كونا، ائتلاف القلوب على الحق، لنفذت مشيئته في خلقه، ولكنه شاء الاختلاف كونا، لتظهر معاني قدرته في خلق الضدين وحكمته في ابتلاء كل ضد بضده، فتعمل السنن الربانية في إتقان يظهر حكمته الكونية، فضلا عن سننه الشرعية التي جاء بها الرسل عليهم السلام فتلك، أيضا، مئنة من بلوغ حكمته الغاية في الإتقان فرعا عن علمه المحيط، فبالسير عليها، ومدافعة السنن الكونية بها، يصلح الحال والمآل.
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ: فهو الفعال لما يريد من الممكنات لا المحالات الذاتية فتلك ليس لها حقائق ابتداء لتتعلق بها الإرادة، والمضارع مئنة من دوام الاتصاف بأفعال الكمال على الوجه اللائق بجلاله، وتعلق الفعل بما يريده، جل وعلا، كونا، نص في إبطال مقالة الفلاسفة الذين نفوا صفات الله، عز وجل، فزعموا أنه فاعل بالطبع، لا بالإرادة والعلم، إذ لا تنفك الإرادة وهي حكم، عن علم سابق، فهو تصور، والحكم، كما تقدم، فرع عن التصور، فإرادته، عز وجل، الفعل، فرع عن علمه المحيط وحكمته البالغة، فاجتمع له، عز وجل، وصف الجلال بنفاذ الإرادة القاهرة، ووصف الجمال بالحكمة البالغة. فله الكمال: جلالا يحمل على الرهبة من عقابه، وجمالا يحمل على الرغبة في ثوابه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[15 - 07 - 2009, 08:36 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذا الاختيار الموفق , هكذا هو حال القران الكريم كلما تدبرت معانيه تشعر انه يتنزل على الواقع الذي انت فيه (لايخلق على كثرة الرد، و لاتنقضي عجائبه، من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من حكم به عدل، و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)
ـ[احمد السنيد]ــــــــ[15 - 07 - 2009, 08:46 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذا الاختيار الموفق , هكذا هو حال القران الكريم كلما تدبرت معانيه تشعر انه يتنزل على الواقع الذي انت فيه (لايخلق على كثرة الرد، و لاتنقضي عجائبه، من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من حكم به عدل، و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم)
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 07 - 2009, 06:28 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي أحمد، شكر الله لك المرور والتعليق ونفع بك عباده في تعليم كتابه العزيز، وجعلك من أهله وخاصته.
ومن قوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ):
فهو شرط سيق مساق التحذير من التعدي، إذ العقاب مظنته، فإن عاقبتم فاستوفوا الجزاء على قدر الجناية، ويؤيد ذلك سبب نزول الآية على القول بأنها نزلت في مقتل حمزة، سيد الشهداء، رضي الله عنه، والتمثيل بجثمانه، إذ أقسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن يمثل بسبعين من قريش إن أظفره الله بهم، ولا إشكال في حملها على هذا الوجه، وإن كانت السورة مكية، إذ ليس ذلك بمانع من ورود آيات مدنية فيها، فوصف المكي أو المدني إذا تعلق بالسورة إنما يراد به الوصف الأغلبي لا الشمولي كما قرر ذلك من صنف في علوم القرآن، وقد جعلها صاحب "الإتقان"، رحمه الله، مما تعدد نزوله على القول بوقوع ذلك، إذ الخلاف بين أهل العلم فيه، لا سيما من المتأخرين، معروف، فتكون قد نزلت في مكة آمرة المسلمين بالصبر على أذى الكفار، ثم نزلت يوم أحد، ثم نزلت يوم الفتح، إذ كان يوم المرحمة كما سماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والعلماء يستدلون بهذه الآية على جواز التمثيل بالقاتل إن كان قد مثل بمقتوله ولو حرقا، فذلك مخصص للنهي عن القتل بالتحريق والتمثيل إذ قد نهي عن ذلك على جهة الابتداء لا على جهة الاقتصاص.
¥