تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 07 - 2009, 03:41 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)

وَاصْبِرْ: صبر احتساب لا صبر اضطرار، والأمر فيه للإرشاد، ولا يمنع ذلك من حمله على دلالته الأصلية على الوجوب، فالصبر على المصيبة الكونية واجب، والصبر على التكليف الشرعي: أمرا ونهيا واجب، وهو أرفع من الصبر على النوازل الكونية التي لا يملك المكلف ردها، كما وقع للمؤمنين يوم أحد، وكما وقع لهم قبل ذلك من سنة الابتلاء الكونية في مكة، وقد يقال، كما اختار بعض أهل العلم، بأن هذا مما تتباين فيه أحوال المكلفين، فإن منهم من يصبر على الأمر الشرعي ولكنه يجزع عند وقوع الأمر الكوني بما لا يحب، فله من إياك نعبد نصيب، وليس له من إياك نستعين نصيب، ومنهم من يصبر على النوازل ولا يصبر على التكليف الشرعي، فله من إياك نستعين نصيب، وليس له من إياك نعبد نصيب، ومنهم من ليس له صبر على أمر شرعي أو نازلة كونية، فليس له نصيب من إياك نعبد ولا إياك نستعين وهذا أخبث نوع، ومهم من جمع بين المقامين: مقام العبودية الشرعية فله من الصبر على التكليف الشرعي نصيب، ومقام العبودية الكونية فله من الصبر على النوازل الكونية نصيب، فهو أعلى الأنواع قدرا إذ قد جمع بين الحسنيين: امتثال المأمور والصبر على المقدور، فله من ثنائية: الشرع والقدر أوفر نصيب، إذ لا تعارض بينهما عند من فقه سنن الله، عز وجل، فهو الذي يبتلي بكلماته الكونيات ليمحص القلوب، وفي التنزيل: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)، وهو الذي يبتلي بكلماته الشرعيات ليطهر القلوب ويزكي الأنفس بصنوف العلوم النافعة والأعمال الصالحة، فالذي قدر هو الذي شرع، ووقوع التناقض بين سننه التي هي فرع عن كلماته الكونية والشرعية محال إلا عند من لم يقدر الله، عز وجل، حق قدره، فأساء الظن بربه، لا سيما في أوقات النوازل التي تعظم فيها الظنون، وتضيق فيها الصدور.

ومَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ: إطناب في مقام الإرشاد إلى الطريقة المثلى، فالأمر بالصبر ظاهر من جهة المعنى، مجمل من جهة الكيف، فكل يعرف معنى الصبر، فهو حبس النفس عن التسخط والجزع، ولكن الشأن في ذلك: كيف يصبر الإنسان صبر المؤمن المحتسب؟، فجاء تعليق الصبر بالله، عز وجل، استعانة به: بذكره وإخلاص العبودية له في زمن الرخاء، وزمن الشدة من باب أولى، وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء)، جاء ذلك من باب البيان بعد الإجمال على تقدير سؤال اضطراري يتولد في ذهن كل مخاطب: وكيف يكون الصبر الإيماني لا الصبر الاضطراري؟، فجاء الجواب بأقوى أساليب القصر: النفي والاستثناء فلا صبر إلا بذلك، وإن تلهى العبد بصنوف الملهيات كما يقع لكثير من المبتلين فرارا من ألم المصيبة، وما أشده على النفس التي لا تستحضر المعنى الشرعي له، ولا تنظر إلى جانب الحكمة الربانية فيه، فلا ترى إلا جانب القدرة النافذة، ولا يكتمل الإيمان بالقضاء والقدر إلا بالنظر إلى كلا الوجهين: القدرة الربانية فبها تقع المقدرات والحكمة الربانية فبها يصنع الله، عز وجل، لعباده من المصالح العاجلة في الدنيا والآجلة في الآخرة ما تعجز عقولهم عن إدراكها ساعة نزول البلاء، فهي ساعة تضيق فيها العقول عن الفهم والقلوب عن الصبر، إلا من عصم الله، عز وجل، وهذا أمر لا ينفع فيه مقال إلا على جهة الإشارة إلى معان لا تقوم إلا بالنفوس الكبار، فكل يحسن القول زمن الرخاء، وقليل من يحسن العمل زمن الشدة، ولذلك كان الفقه، كل الفقه، أن يسأل العبد ربه، عز وجل، السلامة في دينه ودنياه إذ لا قبل له بابتلاء الباري، عز وجل، فإن وقع الابتلاء فليس ثم إلا الصبر ولو تجلدا للشامتين، وإلا هلك العبد لدخيلة سوء في نفسه استخرجها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير