تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا: نداء يسترعي الانتباه في معرض تقرير المنة الربانية.

اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: ذكر شكر وثناء، وأجملت النعمة تشويقا، وأضيفت إلى الله، عز وجل، تشريفا، إن أريد بها ذات النعمة، أو إضافة وصف إلى موصوفه، إن أريد بها وصف إنعام الله، عز وجل، عليهم، وهو وصف فعل متعد به تقع النعمة على سبيل التجدد، فنعم الله، عز وجل، لا تنقطع عن عباده ليل نهار، سواء أكانت نعما كونية عامة تعم المؤمن والكافر، أم نعما شرعية خاصة يستأثر بها المؤمن، إذ خص بمزيد فضل من الرب تبارك وتعالى.

وإضافة النعمة إلى الله، عز وجل، مئنة من عمومها، وإن نزلت الآية على سبب خاص، فإن ورود العام على سبب لا يخصصه، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كان السبب مقدما على بقية أفراد العام من جهة دخوله في حد العام دخولا قطعيا لا يقبل النسخ أو التخصيص بخلاف بقية الصور فدخولها في حده ظني يقبل النسخ أو التخصيص، فالعام يدل على السبب دلالة قطعية ويدل على بقية أفراده دلالة ظنية، فتلك مزية السبب، وهي مزية لازمة له لا تتعدى إلى بقية الأفراد بالإبطال، فلا يهدر عموم النصوص بتخصيص متوهم، وهذا أصل في نصوص التنزيل: حملها على العموم ما أمكن، لئلا تهدر دلالاتها.

ودعوى التخصيص بلا دليل من أبرز سمات مناهج الاستدلال عند أصحاب المقالات الردية، إذ يتصرف في النصوص بالتأويلات الباطلة التي لا يشهد لها نقل أو عقل أو لسان، فتخصص عموماتها وتهدر دلالاتها انتصارا لمقالة حادثة أو نحلة فاسدة.

إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ: بدل أريد بالحكم ابتداء فتقديم المبدل منه إنما كان توطئة له، كما قرر النحاة، فهو من قبيل البيان الوافي بعد حصول التشويق بإيراد المجمل، فنعمة الله، عز وجل، التي خصت بالذكر بعد العموم الموطئ، على سبيل التنويه بشأنها، هي: كَفُّ أَيْدِيَهِمْ عَنْكُمْ.

وقد قيل في سبب نزولها أنه: ما جرى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع غَوْرَث بن الحارث، لما سل سيف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المعلق، ثم أقبل عليه صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ قال: "الله"! قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا: من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الله"! قال: فَشَام الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خَبَرَ الأعرابي، وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه.

واستبعده صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، من جهة إطلاق القوم في الآية، والمذكور في القصة واحد.

وقد يجاب عن ذلك بأن ذلك من باب إطلاق الجمع وإرادة الواحد، فيكون ذلك من المجاز المرسل المفرد الذي علاقته: الكلية، إذ أطلق الكل وأراد الجزء أو البعض، على حد قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فهو، أيضا، اسم جمع لا مفرد له من لفظه أطلق والمراد به واحد بعينه.

قال ابن كثير، رحمه الله، عقب إخراج هذه الرواية: وقال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي، وتأول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} الآية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير