تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ).

وتلك من صور افتقار العباد إلى ربهم، عز وجل، وهو افتقار لازم لا ينفك عنهم، ولكنه يظهر في أوقات الشدة ما لا يظهر في أوقات الرخاء، ففي ميدان النزال: يفتقر العباد إلى غوث ربهم، عز وجل، بإجراء أسباب النصر، إذ النصر من جملة المولدات التي تحصل بفعل العبد المقدور له، فهذا حد التكليف الشرعي، وبأسباب خارجة عن قدرته، فهذا حد التأييد الكوني، تأييد: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، فلا غنى للعبد عن ربه، عز وجل، في إقداره على مباشرة السبب على جهة التكليف، وحصول المراد على جهة التأييد.

وفي قوله تعالى: (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ):

كناية أولى عن شدة سطوة العدو، إذ بسط اليد مظنة التمكن من تناول الشيء على جهة القهر، ولا تمنع تلك الكناية من إرادة المعنى الحقيقي إذ لا يقع العدوان عادة إلا باليد، فهي أداة العراك الرئيسة، وإن وقع بغيرها فعلى سبيل التبع، فذكرها من باب: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)، وإنما تكتسب الذنوب باليد والعين والقدم ........ إلخ، وإنما ذكرت اليد تغليبا، فلا مفهوم لها، بل يعم البسط في الآية كل صور البسط بالسوء على حد قوله تعالى: (ويبسطوا إليكم أيديَهم وألسنتهم بالسوء)، وفي الإتيان بالمضارع: "أن يبسطوا": استحضار لصورة منقضية إمعانا في التذكير بالنعمة الربانية وفي مقابل هذه الكناية:

كناية أخرى عن ردعهم وزجرهم عما هموا به من العدوان، فالكف مظنة الرد بقوة في مقابل البسط على سبيل التعدي والجور، فالكلام جار على سبيل الطباق بين: البسط والكف، على وزان: لا يفل الحديد غير الحديد، وذلك آكد في تقرير، ما تقدم، من المنة الربانية، بزجر أولئك وكفهم في مقابل همهم الجازم بإيقاع الأذى بالمؤمنين.

وَاتَّقُوا اللَّهَ: فذلك لازم النعمة الربانية، فبعد الامتنان بعطاء الربوبية: ربوبية النصرة والعناية، جاء النص على لازمها من الأمر بإفراد الرب القادر، عز وجل، بالألوهية، إذ التقوى بفعل المأمور واجتناب المحظور من آكد صورها، إن لم تكن هي الدين كله، فمداره على: تصديق الخبر وامتثال الشرع.

وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: إظهار في موضع الإضمار تربية للمهابة، كما اطرد في كلام المفسرين، فضلا عن دلالة الحصر والتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، والتعريض بتعليق الحكم على وصف الإيمان فهو يفيد ذم من لم يقم به ذلك الوصف على حد: وعلى الله فليتوكل المؤمنون وحدهم أما الكافرون فلا حظ لهم في هذه العبودية الجليلة، فهم بمنأى عنها، فرعا عن نأي قلوبهم عن التصديق والإقرار الموجب لكمال التسليم والانقياد الظاهر والباطن.

وذكر التوكل في مقام رد العدوان فيه من تناسب المعنى ما يلتئم به السياق، فالشدة، كما تقدم، مظنة استخراج عبوديات التوكل والاستغاثة والاستعانة .......... إلخ من عبوديات القلب المفقودة في الأعصار المتأخرة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 08 - 2009, 08:21 ص]ـ

ومن قوله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ:

قضاء شرعيا على جهة الإخبار، ولذلك عدي بـ: "إلى"، على تضمين "قضينا" معنى: أبلغنا، و: ووصلنا على حد قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، فالتعدية باللام من جنس التعدية بـ: "إلى" وإن لم تماثلها من كل وجه، أو تقدمنا إليهم بكذا، وهو بخلاف القضاء الشرعي على جهة الأمر في نحو قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، أي: قضى شرعا وإن لم يقع كونا، فذانك قسما القضاء الشرعي، وهو قسيم القضاء الكوني النافذ في نحو قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)، فمادة القضاء في التنزيل تدور حول ذينك النوعين: الشرعي الحاكم ولازمه: تصديق الخبر،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير