تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 08 - 2009, 07:28 ص]ـ

ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ:

بمقتضى سنة التدافع، إذ كان ما أوقعه بختنصر بهم استدراجا له، وعقوبة لبني إسرائيل كما أثر ذلك عن دانيال عليه السلام، فلما استوجب بختنصر الهلاك ببغيه وإفساده، ورجع بنو إسرائيل إلى ربهم، عز وجل، إذ ذلك من منح البلايا، فهي التي تجمع بين العبد وربه، عز وجل، فاستوجبوا النجاة، فسلط الله، عز وجل، على البابليين ملك الفرس "كوروش"، فأعمل سيف الاستئصال فيهم، ورجع بنو إسرائيل إلى أورشليم مرة أخرى، فالحكم دائر مع علته وجودا وعدما، فذلك أصل عظيم في السنن الكونية والسنن الشرعية، على حد سواء، إذ قد أقيم الكون على أسباب تؤدي إلى مسبِّباتها، تصدر عن السبب الأول الذي لا سبب وراءه: كلمات الله، عز وجل، الكونيات، فهي العلة التامة المؤثرة في إيجاد الأسباب المغيبة والمشهودة وجريانها وفق سنن مطردة لتنتج مسبَّباتها، وكذلك الشرع قد أقيم كثير من أحكامه على علل معقولة، تدور معها الأحكام الشرعية وجودا وعدما، وذلك ما اصطلح الأصوليون على تسميته بالدوران الوجودي والعدمي للحكم مع أوصاف منضبطة مؤثرة يدرك العقل ارتباطها بمسبَّباتها، وذلك لا يكون في الأحكام التعبدية المحضة التي لا يدرك العقل وجه الحكمة فيها، وإنما ابتلي بامتثالها فرعا عن تصديق خبر الرسالات.

والشاهد أنهم قد استوجبوا الرجوع إلى أورشليم لما رجعوا إلى الله، عز وجل، فتحققت فيهم علة استحقاق سكنى الأرض المقدسة، إذ لا يسكنها إلا أتباع الرسالات على حد الاستمساك بالوحي لا التفريط فيه، فإذا فرطوا: سلط الله، عز وجل، عليهم، من الأمم من يسومهم سوء العذاب قتلا وسبيا وتشريدا، ومع ذلك كانت تلك الملاحم ذريعة إلى حقد فئام من يهود على النوع الإنساني، الذي أنزل بهم ذلك الكرب العظيم، فتبلورت العنصرية التلمودية في تلك الأجواء، فكتب التلمود دستورا لبني يهود، يعترف بسيادة جنسهم، لمجرد أنهم نسل إسرائيل، ولو كانوا أبعد الناس عن طريقة الأنبياء، عليهم السلام، فكان دستورهم دستور كل محدث في الدين يدعي لنفسه من أوصاف الكمال والنجاة ما ليس له، فدعواه عارية عن الصحة لا دليل يشهد لها من نقل صحيح أو عقل صريح، إذ القياس العقلي المطرد أن النجاة لا تتعلق بالأعيان، وإنما تتعلق بالأوصاف فمن تحققت فيه معاني التصديق والامتثال لأخبار النبوات وأحكامها، فهو الأحق بالنجاة، وإن كان جنسه أدنى الأجناس، ومن لم تتحقق فيه فليس أهلا لها وإن كان أشرف الأجناس قدرا، وأشرف الأعيان نسبا، وأبو لهب شاهد عدل على تلك القاعدة الربانية المطردة، قاعدة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وإن فضلت أجناس على أجناس، فذلك باعتبار الكل لا الجزء، فجنس العرب أفضل من بقية الأجناس جملة لا تفصيلا، إذ من العجم من يزن أمة من العرب، ولكن جملة العرب قد فضلوا على بقية الأمم بما اختصهم الله، عز وجل، به من أوصاف الكمال من: صحة عقل وفصاحة لسان، فحسن لذلك بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم، فكان المرجح الذي يعارض، إذ ذلك دليل قاطع على تفضيل جنسهم على بقية الأجناس إذ لا تبعث الرسل عليهم السلام إلا في أفضل الأمم بل لا تبعث إلا في نسب قومها، ولذلك كانت قريش أفضل العرب، وذلك أيضا باعتبار جملتها لا آحادها، فآحاد المؤمنين وإن لم يكونوا قرشيين خير من أبي جهل القرشي المخزومي النسيب، والتفضيل الجملي باعتبار الجنس الكلي لا الفرد الجزئي أصل جليل في باب التفضيل.

ولم يكن لبني إسرائيل من أصحاب الطريقة التلمودية، لم يكن لهم من ذلك نصيب إذ أعماهم التعصب، فلم يروا شريفا إلا من كان إسرائيليا، ولو كان تلموديا يهاجر بعداوة الرسالات، ولم يروا وضيعا بل بهيمة في مسلاخ البشر قد خلق لخدمة سادته من الشعب المختار! إلا بقية شعوب الأرض، وقد كان ذلك الشعب يوما ما مفضلا على بقية الشعوب لكون النبوة متواترة فيه، وذلك من بركات الوحي الذي يرفع الله، عز وجل، به أقواما ويضع أقواما، فكان على ما تقدم من قاعدة التفاضل بين الأجناس: خير أجناس الأمم وإن لم يكن أفراده خير أفراد البشر، إذ السائر على طريقة الأنبياء، عليهم السلام، هو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير