تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الفرد المفضل بإطلاق، ومن رحمة الله، عز وجل، أن ذلك الفرد المفضل: كلي مشترك لا يوجد إلا في الأذهان، فتصوره لا يمنع وقوع الشركة فيه إذ هو مفضل باعتبار وصف عام إذا تحقق في أي فرد في خارج الذهن استحق وصفه من التفضيل، على ما اطرد من دوران الحكم مع الوصف المعلِّل له وجودا أو عدما، فليس ذلك حكرا على أفراد بعينهم، وتلك قاعدة المدح والذم الشرعي، وما يلزم منهما من الثواب والعقاب الرباني.

قاعدة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ): فليست الخيرية في مقام التفضيل على بقية الأمم في الآية: عنصرية، كما ادعى أعداء الملة الخاتمة ومن التحق بركبهم من المستغربين والعلمانيين، بل هي خيرية: وصف: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، كما أثر ذلك عن عمر، رضي الله عنه، ومجاهد واختاره الزجاج، كما ذكر ذلك ابن الجوزي، رحمه الله، في "زاد المسير"، فهو متحقق في أمة الإجابة باعتبار جملتها، وأمة الإجابة: أمة عالمية لا عربية أو قرشية، على حد قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فيدخل فيها المصري والشامي والمغربي والتركي والفارسي والأوروبي ........... إلخ من أجناس البشر إذا تحقق فيه وصف: (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)، إذ الأمر، كما تقدم، قد علق على وصف كلي جامع، يصلح لأي فرد في الخارج، بخلاف من يلمز أتباع الملة الخاتمة بالعنصرية، وهو لا يقبل تابعا يلتحق بركبه لئلا يتلطخ جنسه النقي بأدران الأمميين!، فليست أرض الميعاد إلا لليهود الخلص، مع أنهم عند التحقيق بتلك الملة ملصقون، ولنسبها مدعون، فليسوا إسرائيليين خلص، بل هم من شذاذ الآفاق من يهود الخزر ........... إلخ.

وقد كانوا بعد ذلك، مع ادعائهم الخيرية المطلقة أعدى أعداء المسيح عليه السلام، خاتم أنبياء بني إسرائيل قبل أن ترفع منهم النبوة فتنتقل إلى أبناء عمومتهم من بني إسماعيل الذين اختصهم الله، عز وجل، بأعظم كرامة إذ انتقلت القيادة من الفرع الإسحاقي إلى الفرع الإسماعيلي، فاختار الله، عز وجل، العرب، لحمل الرسالة الخاتمة إلى بقية الأمم برسم الفتح لا القهر، برسم الإيمان لا الطغيان كبقية الفتوحات العسكرية التي كانت فتحا للبلاد نهبا لخيراتها وقهرا لأهلها، ولذلك سرعان ما زالت بزوال دولها، إذ جرت عليها سنة الإهلاك والاستبدال، سنة: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)، كما جرى للإسكندر، وللقياصرة والأكاسرة من بعده، فلم يعد لهم من الرسوم بعد زوال دولهم إلا آثار دارسة، بخلاف دولة الإسلام التي فتحت القلوب لخير الأديان، وأزالت الطغيان من البلدان، فتخلص أهل تلك البلاد بشهادة التاريخ: شاهد العدل في تلك المضائق، وشهادة المنصف وإن كان مخالفا، من قيد الرق الذي أصاب القلوب والأبدان، فكانت القلوب رقيقا لعقيدة قيصر أو كسرى، فلهما من القداسة ما يجوز عبادتهما، أو انتحال مقالتهما، جبرا بلا اختيار، فإذا تنصر قسطنطين، ومزج دين المسيح عليه السلام بوثنياته الرومية، فعلى شعوب الإمبراطورية أن تخضع للدين الجديد: دين الملكانيين، وعلى المتآمرين في مجمع نيقية أن يقروه، ولو بحد السيف، فلا أغلبية إلا حزب الإمبراطور وإن قلت، ولا أقلية إلا المعارضون وإن كثروا، إن صحت تلك الطريقة البرلمانية في تقرير العقائد الإلهية، فصار البشر في حاجة إلى إحداث مقالة تخالف مقالة النبوات بعد رفع صاحبها عليه السلام بنحو ثلاثة قرون!، وحسبك بذلك تحقيرا لأخبار الوحي وتعظيما لأهواء العقل، وحال المصريين، على سبيل المثال، وقد كانوا على طريقة اليعاقبة، وهي أشد فحشا وغلوا من طريقة الملكانيين، حالهم خير شاهد على سياسة القهر الروماني الذي سامهم خطة الخسف حتى جاءت خطة الفتح العَمْري بالرسم العُمَري: رسم: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، وإن كانوا كفارا، بل وإن كانوا أشد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير