تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كفرانا من الملكانيين الذين احتلوا أرضهم ونهبوا خيراتهم، وصيروا بلادهم بقرة تستحلب لإمداد روما بالمؤن والغلال، ولذلك كان فتح مصر، وقد جرى على رسم النبوة، سببا في إقبال المصريين على الدين الخاتم، إذ عاينوا القدر الفارق بين فتح أهل الإيمان وفتح الرومان، وقل مثل ذلك في حق أمم الشرق من أهل العراق وفارس وبلاد الترك وإلى الصين التي لا زال الإسلام في الأرض التابعة لها، ولو على سبيل الاحتلال والقهر، أرض: تركستان الشرقية: ظاهرا، رغم كل صور الاضطهاد الديني في دولة تزعم أن إلحادها الشيوعي: ديمقراطي يسمح بتعدد الأديان والأعراق!، والشاهد أن القلوب كانت رقيقا، والأبدان كانت لها في ذلك الرق تبعا، حتى جاءت جيوش الفتح التوحيدي برسم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ). والتاريخ، كما تقدم، شاهد عدل في تلك المضائق، لا سيما وقد جرت السنة الكونية على أمة الإسلام الآن بانتزاع بيت المقدس منها، لما حادت عن السنة الشرعية ورأينا من صور التسامح التلمودي مع المقدسيين ما لا يخفى!، وذلك فتحهم وهذا فتحنا، ولكل عقل يزن به الأمور.

والشاهد أن السنة الكونية قد اطردت في حقهم وحق أعدائهم من أبناء بابل، فكانت لهم الكرة بأن رجعوا أعزة إلى نفس المكان الذي أخرجوا منه أذلة صاغرين برسم السبي، وذلك أبلغ في تقرير المنة الربانية، ثم أطنب في بيان تلك المنة، إذ يحسن التفصيل في مقام الامتنان: وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ: ونسبة الإمداد إلى الله، عز وجل، على التعظيم الذي دل عليه ضمير الجمع: "نا": أبلغ في بيان عظم تلك النعمة، إذ عظمها من عظم المنعم بها، جل وعلا، ونكرت الأموال والبنين تعظيما، فذلك، أيضا جار على ما تقدم من تقرير المنة الربانية على الشعب المسبي بالمعصية المعتق بالطاعة، وفي نفس السياق: وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا:

فالجعل في هذا السياق: كوني فرعا عن التزام الأمر الشرعي، والتفضيل إما باعتبار حالهم قبل السبي، أو باعتبار عددهم في مقابل عدد عدوهم كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله.

وبعد ذلك جاء القانون الكلي المطرد: قاتون الثواب والعقاب العام، إذ العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه، فليس الأمر مقصورا على أمة أو جنس بعينه، بل هو عام، فالخطاب لهم باعتبار اللفظ، ولجميع المكلفين باعتبار المعنى فـ:

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ: فإن أحسنتم بامتثال الشرع، أحسنتم لأنفسكم باستدفاع محن القدر واستجلاب منحه، فمن يمن الطاعة: صلاح الدين أصلا والدنيا تبعا، ولو وقع الابتلاء ابتداء ليمتاز العباد وتمحص القلوب، فإن مآل الأمر ظهور أهل الحق، فلهم الدولة في الدنيا والآخرة على حد قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ". فالمشاكلة بين اللفظين باعتبار اختلاف المتعلقين: الشرعي في الإحسان الأول سواء أكان لازما في النفس أو متعديا في الغير فلا ينفك جنس الإحسان الشرعي عن ذينك النوعين كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، و: الكوني في الثاني، تلك المشاكلة تزيد المعنى بيانا وبهاء.

وجعلها صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، من باب تكرار الفعل تنويها بشأنه، والتجريد إمعانا في بيان معنى الإحسان، فكأن المحسن قد جردت منه ذات يتعدى إليها إحسانه، فهو المحسن إلى نفسه حقيقة، وإن كان فعل إحسانه متعديا إلى غيره، إذ لا ينفك عن طلب الثواب الأعظم في دار الجزاء فهمته، عند التحقيق، متعلقة بمصلحته، وإن كان ساعيا في مصلحة غيره ونص كلامه:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير