تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمانعون من المجاز ينكرون الوضع الأول، إذ هو عندهم دعوى لا دليل عليها، فلقائل أن يقول: بل وضع أولا للمعنويات ثم استعير للماديات، فدعوى مقابل دعوى!!!، ولآخر أن يقول: الميل والجنوح معنى كلي مطلق، فرع المتكلم عنه معان جزئية مقيدة، فيقيد بالحس في جناح الطائر، وبالمعنى في ميل المائل عن الحق، وعلى هذا فقس، فالكليات المطلقة لا يمتنع وقوع الشركة فيها، بخلاف الجزئيات المقيدة فإنها تبع للمتصف بها والسياق الذي وردت فيه، فهو قرينة تدل على المعنى المراد تحديدا كما تقدم.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ عُلِمَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْعَرَبِيَّةَ وُضِعَتْ أَوَّلًا لِمَعَانٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهَا؛ فَيَكُونُ لَهَا وَضْعٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ. وَهَذَا إنَّمَا صَحَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةً فَيَدَّعِي أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْعُقَلَاءِ اجْتَمَعُوا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسَمُّوا هَذَا بِكَذَا وَهَذَا بِكَذَا وَيَجْعَلَ هَذَا عَامًّا فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي هَاشِمِ بْنِ الجبائي؛ فَإِنَّهُ وَأَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ كِلَاهُمَا قَرَأَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الجبائي لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَخَالَفَهُمْ فِي الْقَدَرِ وَالْوَعِيدِ وَفِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَفِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَّنَ مِنْ تَنَاقُضِهِمْ وَفَسَادِ قَوْلِهِمْ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ. فَتَنَازَعَ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ فِي مَبْدَأِ اللُّغَاتِ؛ فَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ: هِيَ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ. ثُمَّ خَاضَ النَّاسُ بَعْدَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَقَالَ آخَرُونَ: بَعْضُهَا تَوْقِيفِيٌّ وَبَعْضُهَا اصْطِلَاحِيٌّ وَقَالَ فَرِيقٌ رَابِعٌ بِالْوَقْفِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَنْقُلَ عَنْ الْعَرَبِ بَلْ وَلَا عَنْ أُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فَوَضَعُوا جَمِيعَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا بَعْدَ الْوَضْعِ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ الْمَنْقُولُ بِالتَّوَاتُرِ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيمَا عَنَوْهُ بِهَا مِنْ الْمَعَانِي فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَضْعًا يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْطِلٌ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ". اهـ

"الإيمان"، ص60.

&&&&&

ويعرج ابن تيمية، رحمه الله، على مسألة "تعلم اللغات"، فيرى أن مدار الأمر على "الإلهام"، (وهو ممن يرى أن اللغة: إلهام، فلم يقل بالتوقيف أو الوضع)، فالله، عز وجل، ألهم الحيوان من الأصوات ما به يعرف بعضه مراد بعض، وكذا الطفل الصغير، يسمع والديه، فتتكون لديه، شيئا فشيئا، حصيلة لغوية، فلا يوقفه والداه على معاني الأشياء ابتداء، فيقولا له: هذا كتاب، وهذا قلم، وهذه ورقة .............. إلخ، وإنما يدرك هو ذلك بنفسه، فإذا ما استشكل عليه معرفة اسم شيء ما، لكونه يراه لأول مرة، ولم يسمع أحدا سماه من قبل فإنه يسأل والديه عن اسمه، ولو كانت اللغة وضعا أو اصطلاحا، لاضطر كل أبوين إلى عقد مجالس إملاء لسرد أسماء الأشياء على ابنهما، وهذا غير حاصل بطبيعة الحال.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَكَذَلِكَ الْآدَمِيُّونَ؛ فَالْمَوْلُودُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ التَّمْيِيزُ سَمِعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَنْ يُرَبِّيهِ يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ وَيُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى فَصَارَ يَفْهَمُ أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْ: أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثُمَّ هَذَا يَسْمَعُ لَفْظًا بَعْدَ لَفْظٍ حَتَّى يَعْرِفَ لُغَةَ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَشَأَ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ اصْطَلَحُوا مَعَهُ عَلَى وَضْعٍ مُتَقَدِّمٍ؛ بَلْ وَلَا أَوْقَفُوهُ عَلَى مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَإِنْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير