تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كَانَ أَحْيَانًا قَدْ يَسْأَلُ عَنْ مُسَمَّى بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَيُوقَفُ عَلَيْهَا كَمَا يُتَرْجَمُ لِلرَّجُلِ اللُّغَةُ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا فَيُوقَفُ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظِهَا وَإِنْ بَاشَرَ أَهْلُهَا مُدَّةَ عِلْمِ ذَلِكَ بِدُونِ تَوْقِيفٍ مِنْ أَحَدِهِمْ". اهـ

"الإيمان"، ص61.

وعن الإلهام في نطق اللغات يقول ابن تيمية رحمه الله:

"فَبِالْجُمْلَةِ نَحْنُ لَيْسَ غَرَضُنَا إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ؛ بَلْ يَكْفِينَا أَنْ يُقَالَ: هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وُجُودُهُ بَلْ الْإِلْهَامُ كَافٍ فِي النُّطْقِ بِاللُّغَاتِ مِنْ غَيْرِ مُوَاضَعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ؛ وَإِذَا سُمِّيَ هَذَا تَوْقِيفًا؛ فَلْيُسَمَّ تَوْقِيفًا وَحِينَئِذٍ فَمَنْ ادَّعَى وَضْعًا مُتَقَدِّمًا عَلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ؛ فَقَدْ قَالَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْلُومُ بِلَا رَيْبٍ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: تَتَمَيَّزُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِالِاكْتِفَاءِ بِاللَّفْظِ فَإِذَا دَلَّ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ إلَّا مَعَ الْقَرِينَةِ؛ فَهُوَ مَجَازٌ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى لَا بِوَضْعِ مُتَقَدِّمٍ". اهـ

"الإيمان"، ص63.

فهو يعول على السياق بغض النظر عن الدلالة الوضعية للألفاظ، مع أنه لا يسلم بها أصلا، ولكن: هب أن للألفاظ دلالة وضعية، فيكون لفظ: أسد قد وضع ابتداء للحيوان المفترس، فلا أحد، كما تقدم، يفهم من قولك: رأيت أسدا يرمي، أن الحيوان المفترس قد أمسك رمحا أو قوسا ليرمي، وإنما المتبادر إلى الذهن مباشرة دون أي وسائط عقلية: أنه رام شجاع، فلن يلجأ العقل إلى تصور الوضع اللفظي الأول، ومن ثم صرفه عن ظاهره لقرينة لفظية هي: "يرمي فتكون النتيجة: المقصود هنا ليس الأسد المعروف وإنما هو الرامي الشجاع، فهذه الخطوات المنطقية سيختزلها أي عقل اختزالا ليصل إلى المعنى المراد مباشرة لدلالة السياق عليه، فيكون الأسد في هذا السياق بعينه: حقيقة في المقاتل الشجاع، والاستعارة من الفنون البلاغية التي استعملها العرب في كلامهم، وطالما استعملت فقد صارت حقيقة في اللغة، بمثابة المجاز المشتهر الذي ينزل منزلة الحقيقة العرفية، التي تعارف الناس على استعمالها دون اللجوء في فهمها لتسلسل المجاز المنطقي، فـ:

كلمة "الغائط" على سبيل المثال: في الوضع الأول: تستعمل في الدلالة على المكان المنخفض، ومن ثم صارت مجازا مشتهرا في الدلالة على الخارج، لأن العرب كانت تتحرى الأماكن المنخفضة المطمئنة لقضاء حاجتها.

وكذا كلمة "العذرة": فهي في الوضع الأول: تستعمل في في الدلالة على فناء الدار، ومن ثم صارت مجازا مشتهرا في الدلالة على الخارج، أيضا، لأن العرب كانت تلقي بالمخلفات في أفنية الدور، فلما صارت مجازا مشتهرا، من باب: إطلاق المحل وإرادة الحال فيه، آلت إلى كونها حقيقة عرفية في كلام العرب، حتى هجر المعنى الأصلي لها، وصار مهملا فلم يعد كثير من الناس يعرفه أصلا، فانتقل اللفظ من باب: المجاز إلى الحقيقة.

وكذلك "المرحاض": فهو في اللغة المغتسل، ولكنه، أيضا، كناية عن موضع التخلي.

وقل مثل ذلك في نحو قول الشاعر:

أعرف منها الجيد والعينانا ******* ومنخرين أشبها ظبيانا.

فإن مثبت المجاز يقول: استعمال المنخر في الصوت الخارج من الأنف: مجاز علاقته المحلية، إذ أطلق المحل وهو المنخر أو الأنف، وأراد الحال فيه من الصوت، ومنكر المجاز يقول: المعنى المراد يعرف ابتداء بقرينة السياق، ففي البيت السابق: دل السياق على أن المراد بـ: "المنخر": الأنف، إذ شبه منخريها بمنخري رجل يسمى ظبيان، فتقدير الكلام: ومنخرين كمنخري ظبيان، وحذف المشبه به: "منخري"، على وزان قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، ويأتي بيانه إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير