تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الوجود: مطلق لا يوجد إلا في الأذهان، لا حقيقة له في الخارج، ولا يلزم من إثباته مطلقا، وقوع الشركة فيه في الأعيان المقيدة بأوصافها التي تتمايز بها، بل إذا قيد الوجود، فإنه يتباين تبعا لتباين الأفراد المتصفة به، ولا يقال بأنها عين واحدة، فوجود زيد مباين لوجود عمرو، كما تقدم، وإن اشتركا في معنى الوجود الكلي، الذي يمثل النوع هنا، فاتحد نوع الوصف واختلفت أفراده، تبعا لاختلاف ذواتها، فذات زيد لها وجود يختص بها، وذات عمرو لها وجود يختص بها، ولله المثل الأعلى، فله وجود يختص بذاته العلية، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه، عز وجل، ليس كمثله شيء في ذاته، فكذا في صفاته وأفعاله، فلا يندرج كفرد ضمن مجموعة أفراد تحت نوع واحد لمجرد الاشتراك في أصل معنى من معاني الكمال المطلق التي يجوز إطلاقها على الخلق، ويجب إثباتها للخالق، جل وعلا، من باب أولى، طالما جاءت بها النصوص، لا يندرج مع خلقه تحت نوع واحد، لمجرد الاشتراك في أمر كلي مطلق لا يمنع تصوره وقوع الشركة فيه بخلاف الأمور الجزئية المقيدة خارج الذهن، فإن نفس تصورها يمنع وقوع الشركة فيها، فتصور ذات زيد يمنع اشتراك عمرو معه فيها، وإذا كان ذلك التباين حاصلا بل واجبا بين الذوات المخلوقة مع اشتراكها في وصف الحدوث، فهو في حق الخالق، عز وجل، أولى وآكد، إذ ذاته العلية لا تشترك مع الذوات المخلوقة في وصف الحدوث، بل هي أزلية أبدية لا يعتريها نقص أو فناء، فلا يندرج الباري، عز وجل، قاعدة كلية شمولية، إذ كيف يصح ذلك وهو خالق هذه القاعدة الشمولية، وخالق ما يندرج تحتها من أفراد، فكيف يحكم بالأدنى على الأعلى؟!!!!.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا: نَجِدُ أَحَدَهُمْ يَأْتِي إلَى أَلْفَاظٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ إلَّا مُقَيَّدَةً فَيَنْطِقُ بِهَا مُجَرَّدَةً عَنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَتُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا نُطِقَ بِهَا مُجَرَّدَةً وَلَا وُضِعَتْ مُجَرَّدَةً، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ حَقِيقَةُ الْعَيْنِ هُوَ الْعُضْوُ الْمُبْصِرُ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ عَيْنُ الشَّمْسِ وَالْعَيْنُ النَّابِعَةُ وَعَيْنُ الذَّهَبِ؛ لِلْمُشَابَهَةِ. لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ فَيُمَثِّلُ بِغَيْرِهِ مِثْلَ لَفْظِ الرَّأْسِ. يَقُولُونَ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ. ثُمَّ قَالُوا: رَأْسُ الدَّرْبِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الْعَيْنِ لِمَنْبَعِهَا وَرَأْسُ الْقَوْمِ لِسَيِّدِهِمْ وَرَأْسُ الْأَمْرِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الْحَوْلِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ. وَهُمْ لَا يَجِدُونَ قَطُّ أَنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ اُسْتُعْمِلَ مُجَرَّدًا؛ بَلْ يَجِدُونَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِالْقُيُودِ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} وَنَحْوِهِ وَهَذَا الْقَيْدُ يَمْنَعُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ تِلْكَ الْمَعَانِي. فَإِذَا قِيلَ: رَأْسُ الْعَيْنِ وَرَأْسُ الدَّرْبِ وَرَأْسُ النَّاسِ وَرَأْسُ الْأَمْرِ؛ فَهَذَا الْمُقَيِّدُ غَيْرُ ذَاكَ الْمُقَيِّدِ، وَمَجْمُوعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَا غَيْرُ مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَاكَ؛ لَكِنْ اشْتَرَكَا فِي بَعْضِ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكِ كُلِّ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرَّفَةِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّاطِقَ بِاللُّغَةِ نَطَقَ بِلَفْظِ رَأْسِ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُتَصَوَّرُ رَأْسُهُ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَالتَّعْبِيرُ أَوَّلًا هُوَ عَمَّا يُتَصَوَّرُ أَوَّلًا، فَالنُّطْقُ بِهَذَا الْمُضَافِ أَوَّلًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنْطَقَ بِهِ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ ثَانِيًا، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ فَإِذَا قِيلَ: ابْنُ آدَمَ أَوَّلًا؛ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: ابْنُ الْفَرَسِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير