تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَابْنُ الْحِمَارِ مَجَازًا وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: بِنْتُ الْإِنْسَانِ؛ لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: بِنْتُ الْفَرَسِ مَجَازًا. وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: رَأْسُ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا: رَأْسُ الْفَرَسِ مَجَازًا وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ إذَا قِيلَ: يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ". اهـ

"الإيمان"، ص64، 65.

وعليه فالمطلق المجرد عن أي قيد، لا يمكن ادعاء أنه أريد به ابتداء: معنى كذا، ثم نقل إلى: معنى كذا، فيقال، على سبيل المثال، بأن لفظ: "رأس" المطلق قصد به أولا: رأس الإنسان، فصار حقيقة فيه، ثم نقل إلى رأس الفرس فصار مجازا فيه، لأن البحث الآن في لفظ: "رأس" المطلق لا المقيد بكونه رأس إنسان، وهذا المطلق، كما تقدم، لا وجود له خارج الأذهان فلا يتصور إلا فيها، فكيف نتحكم بتقييده ابتداء بفرد من أفراده التي يدل عليها بعد تقييده، فيقال: المراد به، مع كونه مطلقا، الرأس المقيدة بكونها رأس إنسان؟!!!، ثم نقلت بعلاقة وقرينة مجازية إلى بقية الرؤوس.

فلا وجود للمطلق بشرط الإطلاق إلا في الأذهان، فمجرد إضافته خارج الذهن قيد فارق يجعله حقيقة في المضاف إليه، فرأس الإنسان: حقيقة في الإنسان، ورأس الفرس حقيقة في الفرس، فلا حاجة إلى تكلف وقوع المجاز وما يتفرع عنه من علاقات وقرائن عقلية.

ويقول في موضع تال مناقشا المناطقة في دعوى اللفظ المطلق من جميع القيود:

"وَأَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَّا .............. أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ إلَّا بَيَّنَ مَعْنَاهُ لِلْمُخَاطَبِينَ وَلَمْ يحوجهم إلَى شَيْءٍ آخَرَ .............. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ هَؤُلَاءِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ؛ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الْأَذْهَانِ لَا مَوْجُودًا فِي الْكَلَامِ الْمُسْتَعْمَلِ. كَمَا أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الذِّهْنِ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ خَارِجٌ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ". اهـ

بتصرف من: "الإيمان"، ص69، 70.

ويؤكد على أن هذا المعنى الكلي المشترك الذي تواطأت عليه هذه الأفراد لا يوجد إلا في الذهن فلا يلزم من إثباته تشبيه أو تمثيل، لأنه، كما تقدم، إنما يوجد في الأذهان دون الأعيان، فإذا ما قيد، كان تبعا لمقيده.

يقول ابن تيمية:

"وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ عَامٌّ لَا يُوجَدُ كُلِّيًّا عَامًّا إلَّا فِي الذِّهْنِ وَهُوَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعَامَّ الْكُلِّيَّ كَانَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَاجُونَ إلَى مَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ وَإِلَى مَا يُوجَدُ فِي الْقُلُوبِ فِي الْعَادَةِ. وَمَا لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ إلَّا مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ؛ لَا يُوجَدُ فِي الذِّهْنِ مُجَرَّدًا بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ مُضَافٍ تَعَوَّدَتْ الْأَذْهَانُ تَصَوُّرَ مُسَمَّى الْإِنْسَانِ وَمُسَمَّى الْفَرَسِ بِخِلَافِ تَصَوُّرِ مُسَمَّى الْإِرَادَةِ وَمُسَمَّى الْعِلْمِ وَمُسَمَّى الْقُدْرَةِ وَمُسَمَّى الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْعَامِّ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ لَهُ فِي اللُّغَةِ لَفْظٌ مُطْلَقٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ لَا يُوجَدُ لَفْظُ الْإِرَادَةِ إلَّا مُقَيَّدًا بِالْمُرِيدِ وَلَا لَفْظُ الْعِلْمِ إلَّا مُقَيَّدًا بِالْعَالِمِ وَلَا لَفْظُ الْقُدْرَةِ إلَّا مُقَيَّدًا بِالْقَادِرِ. بَلْ وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَعْرَاضِ لَمَّا لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِي مَحَالِّهَا مُقَيَّدَةً بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي اللُّغَةِ لَفْظٌ إلَّا كَذَلِكَ". اهـ

"الإيمان"، ص71.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير