ولم يكتف الشيخ، رحمه الله، بهذا، بل قام يرد على من ادعى وقوع الإغراق، في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في حديث فاطمة بنت قيس: (وأبو جهم لا يضع عصاه عن عاتقه)، ومعلوم أنه يضعها في بعض الأوقات كأوقات النوم والصلاة وغير ذلك، وملخص جواب الشيخ، رحمه الله، أن هذا من قبيل الكناية لا الإغراق، وبينهما فرق دقيق وهو:
o أن الكناية لا تراد لذاتها، فلم يرد أنه لا يضع العصا عن عاتقه أبدا، وإنما أراد لازمها، وهو بيان غلظته مع النساء.
o وأما الإغراق، فيراد لذاته، فلو كان هذا إغراقا، لكان المعنى أنه دائم الحمل لعصاه، حتى في أوقات صلاته ونومه وطعامه وحاجته ..... الخ، وهو بالتأكيد غير مراد.
بتصرف من: الرسالة: ص48 _ 49.
&&&&&
خامسا: تجاهل العارف:
وهو سؤال المتكلم عما يعلمه حقيقة، تجاهلا لنكتة، ومن ذلك قول الشاعر:
بالله يا ظبيات الوادي قلن لنا ******* ليلاي منكن أم ليلى من البشر.
فهو يسأل سؤالا يعرف جوابه، فليلاه بالتأكيد من البشر، ولكنه سأل عنها متجاهلا، لنكتة، وهي بيان شبهها بالظبية في الحسن والخفة، ومعلوم أن ذلك التجاهل لا يجوز في كلام الله عز وجل.
&&&&&
سادسا: أن يذكر لفظا، وهو يقصد متعلقا، غير المتعلق الذي يتبادر لذهن المستمع:
أي أنه يقصد معنى آخر، غير المعنى المتبادر، وإن كان اللفظ واحدا.
ومن ذلك قول الشاعر:
لقد بهتوا لما رأوني شاحبا ******* فقالوا به عين فقلت وعارض.
أرادوا بالعين إصابة العائن، فحمله هو على إصابة عين المعشوق بذكر ملائمه الذي هو العارض في الأسنان كالبرد، فكأنه قال: صدقتم فإن بي عينا، لكن بي عينها وعارضها، لا عين العائن. اهـ.
ومعلوم أن ذلك لا يجوز في كلام الله، عز وجل، فلا يجوز أن يخاطبنا بلفظ يتبادر إلى الذهن معناه القريب، وهو يريد معناه البعيد، فيخاطبنا على سبيل المثال: بلفظ الرحمة، وهو يقصد إرادة الإنعام، كما يقول المتكلمون، إذ ما الذي يحمل آحاد البلغاء على العدول عن اللفظ الذي يبين مراده بلا إلباس إلى لفظ يحتمل أكثر من معنى، أو لا يدل على المعنى المراد أصلا إلا بتكلف تأويل يخالف قانون اللسان، فإذا كان ذلك ممتنعا في حق آحاد البلغاء من البشر، فكيف برب البشر، جل وعلا، الذي لا يشبه كلامه كلامهم، فلا يقدرون على مثله، مصداق قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
&&&&&
سابعا: الاستعارة التخيلية:
وهو تخيل شيء وهمي لا وجود له، فيستعيرون له موجودا تقريبا لصورته في الأذهان، كقول أبي تمام:
لا تسقني ماء الملام فإنني ******* صب قد استعذبت ماء بكائي.
فإنه توهم للملام شيئا يمازح، (هكذا في النسخة الموجودة لدي، ولعله أراد: يمازج)، الروح شبيها بالماء فأطلق اسمه عليه استعارة تخيلية.
ومنه قول الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، مصنف هذه الرسالة:
قد صدني حلم الأكابر عن لمي ******* شفة الفتاة الطفلة المغناج
ماء الشبيبة زارع في صدرها ******* رمانتي روض كحق العاج
ومحل الشاهد، البيت الثاني، فقد أراد به الشيخ، رحمه الله، وصف ثديي الفتاة البكر، فاستعار لهما وصف الرمانتين.
&&&&&
ثم انتقل الشيخ، رحمه الله، إلى فصل في بيان الإجابة عن آيات احتج بها مجوز المجاز على وقوع المجاز في آي القرآن، فذكر منها:
• قوله تعالى: (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض)، فنسبة الإرادة للجدار مجاز، والجواب: أنه لا مانع من حمله على حقيقة الإرادة المعروفة في اللغة، لأن الله يعلم للجمادات ما لا نعلمه لها، كما قال تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
وقد ثبت في صحيح البخاري حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وعلى آله سلم قال: إني أعرف حجرا كان يسلم علي في مكة.
¥