تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعرب كثيرا ما تستعمل الإرادة في مشارفة الأمر، أي قرب وقوعه كقرب الجدار من الانقضاض، (وهذا ضابط مهم جدا، وهو استعمال العرب الكلمة لمعنى تدل عليه، فمتى ثبت الاستعمال، انتفى المجاز، لأن الاستعمال صيره حقيقة فيما أريد به، وإن لم تكن الدلالة مستفاده ابتداء من مبناه اللفظي).

ومنه قول الشاعر:

يريد الرمح صدر أبي براء ******* ويعدل عن دماء بني عقيل.

فقوله: يريد الرمح صدر أبي براء، أي يميل إليه.

وقد قرر شيخ الإسلام، رحمه الله، أن الميل ميلان: ميل ما شعور له، كميل القلب، و: ميل ما لا شعور له، كميل الجدار، فيقال هذا الجدار يريد أن يسقط، وهذا الثوب يريد أن يغسل .......... إلخ، وكل هذا من مشهور اللغة. كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المداخلة الأولى.

&&&&&

• ومن ذلك قوله تعالى: (فقبضت قبضة من أثر الرسول)، حيث قال من جوز المجاز، بأن في هذه الآية: "مجازا بالحذف"، فتقدير الكلام: فقبضت قبضة من أثر حافر فرس الرسول، فحذفت ثلاث كلمات، والرد على ذلك يكون، بما سبق أن قرره ابن القيم، رحمه الله، من وجوب مراعاة سياق الكلام الذي ورد فيه اللفظ، فسياق الكلام هنا يدل على المعنى المراد، دون تكلف تقدير أي محذوف.

&&&&&

• وقوله تعالى: (ليس كمثله شيء)، فهو، عند مجوز المجاز، من: مجاز الزيادة، بزيادة كاف التشبيه فتقدير الكلام: ليس مثله شيء، والرد على ذلك:

أن العرب تطلق المثل وتريد الذات، فهو أيضا من أساليب اللغة العربية. وهو حقيقة في محله كقول العرب: مثلك لا يفعل هذا، يعنون: لا ينبغي لك أن تفعل هذا، ودليل هذا وجوده في القرآن، في نحو قوله تعالى: (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله)، أي شهد على القرآن أنه حق، فقصد بالمثل هنا، القرآن نفسه، إذ لا مثل للقرآن، فلا يقدر أحد من البشر على الإتيان بمثله مصداق قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).

وإلى طرف من ذلك أشار ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" فقال في الاستعماال الخامس من استعملات "الكاف":

"التوكيد: وهي الزائدة نحو: (ليسَ كمثلِه شيء) قال الأكثرون: التقدير ليس شيء مثله؛ إذ لو لم تُقدَّر زائدةً صار المعنى ليس شيء مثل مثله؛ فيلزم المحال، وهو إثبات المثل، وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانياً، قاله ابن جني، ولأنهم إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا: مثلُكَ لا يفعلُ كذا ومرادهم إنما هو النفي عن ذاته، ولكنهم إذا نفوهُ عمن هو على أخص أوصافه فقد نفوه عنه.

وقيل: الكاف في الآية غير زائدة، ثم اختلف؛ فقيل: الزائد مثل: كما زيدت في (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم بهِ) قالوا: وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير.

والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم، بل زيادةُ الاسم لم تثبت". اهـ

وقوله تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات)، يعني: كمن هو في الظلمات.

وقوله تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به)، أي بما آمنتم به، على أظهر الأقوال. ويدل عليه قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (فإن آمنوا بما آمنتم به)، وتروى هذه القراءة عن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا.

o وممن تعرض لهذه الآية بالشرح والتبيين، الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، في شرح العقيدة الواسطية، فقال:

اختلفت عبارات النحويين في تخريج هذه الآية على أقوال:

? القول الأول: أن الكاف زائدة، (وهذا قول من أجاز وقوع مجاز الزيادة)، وتقدير الكلام: ليس مثله شيء، وهذا القول مريح، وزيادة الحروف في النفي كثيرة، كما في قوله تعالى: (وما تحمل من أنثى)، فيقولون: إن زيادة الحروف في اللغة العربية للتوكيد أمر مطرد، (فالزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى)، وهي هنا لتوكيد نفي المثلية.

? القول الثاني: أن الزائد هو "مثل"، ويكون تقدير الكلام: ليس كهو شيء، وهو قول ضعيف، لأن الزيادة في الأسماء في اللغة العربية قليلة جدا أو نادرة، بخلاف الحروف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير