تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحب أن أشير في البداية إلى أن أهم نقطة يمكن أن يتعرض لها الباحثون في التراث العربي هي المنهج الذي كان يتبعه أصحاب تلك الأعمال التراثية الضخمة في مؤلفاتهم، هذا المنهج الذي يتخطى حدود الزمان والمكان، ويكشف عن التوجه العقلي الذي يصدر عنه الكاتب في كتاباته، وبالتالي يدل على مكانة العمل التراثي وصاحبه، والأثر الذي خلفه في عصره ومابعد عصره، ويجلو مذاهب المؤلفين من آثارهم. وذاك ما أبتغيه من هذه الدراسة فأعرض لكتاب "مجاز القرآن"، لأبي عبيدة مَعمر بن المثنى التيمي /110 ـ 210 هـ/ فأبين من خلال هذا الكتاب منهج مؤلفه ومذهبه لأنه أول كتاب و صلنا في عنوانه وموضوعه، وعندما ظهر في زمانه أحدث ضجة كبيرة في الأوساط العلمية المختلفة، ولكن أرى من الضرورة، قبل ذلك، أن أعرِّج على ما ألف في القرآن كي نعرف إلى أي لون من التفاسير القرآنية ينتمي كتاب المجاز هذا.

*ما ألف في القرآن:

قد يكون من نافلة القول أن نذكر بأن لوناً من ألوان التراث العربي لم يحظ بالعناية والدراسة والشرح والتمحيص مثل ما حظي به القرآن الكريم خاصة، والعلوم الشرعية عامة، منذ نزل القرآن على محمد (ص) ليكون مفسره الأول إلى الصحابة والتابعين والعلماء والدارسين في أصقاع متنوعة من عالم واسع عريض امتد من الصين والهند في أقصى المشرق، إلى مراكش والأندلس في أقصى المغرب، وحتى عصرنا هذا الذي ظهرت فيه ـ ولا تزال ـ دراسات وشروح وتفاسير مختلفة.

والناظر إلى المكتبة القرآنية يدرك مدى غناها بكتب التفسير، كما يلحظ ألواناً شتى للتفاسير، بسبب العصبيات المذهبية والسياسية والفكرية التي ينتمي إليها المفسرون، فكان ما يسمى بـ"التفسير بالمأثور"، أو "التفسير النقلي" الذي اعتمد فيه أصحابه على ما ورد في القرآن، وما جاء في الحديث الشريف، وأثر عن الصحابة والتابعين من تفسير للآيات.

ثم "التفسير بالرأي" أو "التفسير العقلي" الذي اتخذ من الرأي أو العقل والاجتهاد طريقاً له في الكشف عن غامض التنزيل. و"تفاسير الفرق الإسلامية المختلفة" ترجع في الحقيقة إلى التفسير بالرأي، لأن أصحابها لم يؤلفوها إلا لتأييد أهوائهم ... ومن ذلك تفاسير المعتزلة والمتصوفة ... ويغلب على تفاسير المعتزلة الطابع العقلي والمذهب الكلامي ... ولا ترد النصوص فيها إلا على أنها شيء ثانوي نادراً ما يلجؤون إليه لشرح معاني الآيات (1)، ويغلب على تفاسير المتصوفة الشطحات التي تبعدهم عن النسق القرآني، وتجعل كلامهم غامضاً إلا على المشتغل بالشؤون الروحية (2).

ويقرب من تفاسير المتصوفة ما يسمى بالتفسير الإشاري، وهو الذي تؤول به الآيات على غير ظاهرها مع محاولة الجمع بين الظاهر والخفي (3).

إلا أن من كتب التفسير ما أظهر عناية خاصة في جانب من جوانب القرآن، كالتوجيه الأعرابي أو البلاغي أو النظر في معاني مفردات القرآن، أو مجازه، أو في أقسامه، أو نظمه ونذكر من ذلك على سبيل المثال كتاب "مجاز القرآن"، لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 210 هـ)، وكتب "معاني القرآن"، للأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (4)، (ت 215هـ)، ويحيى بن زياد الفراء (5) (ت 207)، والزجاج (6) (ت 310 هـ)، وأبي جعفر النحاس (7) (ت 337)، وكتاب "أحكام القرآن"، لأبي بكر الجصاص (ت 370 هـ)، و"إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم"، لابن خالويه (ت 370 هـ)، وإعجاز القرآن"، للقاضي الباقلاني (ت 403هـ)، و"دلائل الإعجاز" للإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ)، وكتاب "مفردات القرآن" للراغب الأصفهاني (ت 502 هـ)، .... الخ.

ولعل من دواعي كثرة الدراسات والتفاسير القرآنية أن هذا الكتاب قد بهر أرباب الفصاحة والبيان، وجعلهم عاجزين عن مجاراته بله الإتيان بآية من آياته، مما دفع علماء العربية إلى البحث عن أسباب إعجازه من جهة، واستنباط قواعد العربية النحوية واللغوية من خلال القراءات التي لم تعدُ وجوهاً فصيحة صحيحة لكلام العرب ولهجاتهم من جهة أخرى، فظهرت عن ذلك التفاسير اللغوية التي يلجأ فيها المفسر إلى اللغة، يستعين بها في تطبيق المنهاج الذي ارتضاه لنفسه والمذهب الذي يميل إليه. بيد أن الاعتماد على اللغة يختلف مقداره من مفسر إلى آخر، فمنهم من جعل كل اعتماده أو جله على اللغة، فقدموا إلينا كتب "معاني القرآن"، التي تنحو في التفسير منحى لغوياً ونحوياً وبلاغياً، وكتاب "مجاز

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير