صلى الله عليه وسلم يحدد الأسباب التي من أجلها يختار الرجل زوجته، ثم يوجه الأمة التوجيه
القويم ويوضح لهم أنجح الطرق في الاختيار كل ذلك في عبارة موجزة بليغة
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (حفت الجنة بالمكارة، وحفت النار بالشهوات)
ففي هذا الحديث الشريف يوضح لنا النبي الكريم صعوبة الطريق إلى الجنة لما فيه من معاناة،
وشدائد، وفى هذا توجيه بليغ إلى كل مريد للجنة أن يأخذ حذره وأن يكون على أكمل الاستعداد
والحرص، ثم يبين لنا سهولة طريق النار لما فيه من أهواء ولذائد، لذا يقول ابن حجر "وهذا من
جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغة في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس، والحس على الطاعات وإن كرهتها وشقت عليها "
ومن إيجاز القصر قول النبي صلى الله عليه وسلم (سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة)
فهذا الحديث يبين فيه الرسول الكريم قاعدة الخير والسعادة في الحياة العاجلة والآجلة
قال الحكيم "هذا من جوامع الكلم إذ ليس شيء مما يعمل للآخرة يتقبل إلا باليقين، وليس شيء من أمر الدنيا يهنأ به صاحبه إلا مع الأمن والصحة وفراغ القلب، فجمع أمر الآخرة كله في كلمة،
وأمر الدنيا كله في كلمة، ومن ثم قيل
لو أنني أعطيت سؤلي لما سألت إلا العفو والعافية
فكم فتى قد بات في النعمة فسل منها الليلة الثانية "
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم محذرا من كثرة السؤال والاختلاف (ذروني ما تركتكم، فإنما
هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) قال النووي "هذا الحديث من جوامع الكلم وقواعد الإسلام، ويدخل
فيه كثير من الأحكام، كالصلاة لمن عجز عن ركن أو شرط فيأتي بمقدوره، وكذا الوضوء، وستر العورة، وحفظ بعض الفاتحة، وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل، والإمساك في رمضان لمفطر بعذر قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك "
ومن هذا النوع من الإيجاز قوله صلى الله عليه وسلم في التنبيه على يقظة المؤمن وفطانته
(لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) قال المناوى " وذا من جوامع كلمه التى لم يسبق إليها، أراد به
تنبيه المؤمن على عدم عوده لمحل حصول مضرة سبقت له فيه، وكما أن هذا مطلوب فى أمر الدنيا فكذا في أمور الآخرة "
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم يحث على مراعاة أحوال الناس، وبث الهدوء والسكينة في نفوسهم (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) " وهذا الحديث كما قال الكرمانى وغيره من
جوامع الكلم لاشتماله على الدنيا والآخرة لأن الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء، فأمر المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل، وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد الجميل، والإخبار بالسرور، تحقيقا لكونه رحمة للعالمين في الدارين "
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم يوجه المؤمن إلى الالتزام بالدين، واغتنام التوبة عندالوقوع بالمعصية، وضرورة التمثل بالسلوك الراقي فى الحياة (اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) فقد قال بعضهم " وهو جامع لجميع أحكام الشريعة إذ لا
يخرج عنه شيء، وقال آخر: فصل فيه تفصيلا بديعا، فإنه اشتمل على ثلاثة أحكام، كل منها جامع في بابه، ومترتب على ما قبله "
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) ففي هذا الحديث يحدد النبي قاعدة من قواعد التعامل الإقتصادى بين الناس، لذا يقول المناوى عقب هذا الحديث " أي الغلة بإزاء الضمان، أي مستحقة بسببه، فمن كان ضمان المبيع عليه كان خراجه له، وكما أن المبيع لو تلف أو نقص فى
يد المشترى فهو في عهدته وقد تلف على ملكه، ليس على بائعه شيء، فكذا لو زاد وحصل منه على
غلة له لا للبائع إذا فسخ بنحو عيب، فالغنم لمن عليه الغرم 000وهذا من فصيح الكلام ووجيزالبلاغة وظريف البراعة "
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم يوضح سلوك المؤمن في هذه الحياة، ويبين أنه سلوك
يقوم على الوسطية والاعتدال في كل أمور الحياة، كل ذلك في عبارة موجزة حوت في مكنونها معان كثيرة {كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة}
قال المناوى " وهذا الخبر جامع لفضائل تدبير المرء نفسه، فالإسراف يضر بالجسد والمعيشة،
¥