تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بدأت الدراسات اللغوية تأخذ الصبغة العلمية الوصفية بعيداً عن المعيارية الحكمية، ومع مجيء لسانيات دي سوسير في مطلع القرن العشرين، ومناداتها بدراسة اللغة تزامنياً، دراسة علمية وصفية، تقصي من غاياتها الاحتكام إلى المعايير واستصدار الأحكام القطعية، ينضاف إلى ذلك إقصاء الدراسة التعاقبية التاريخية للغة، وعلى هذا النهج، ومن هذا الرحم اللساني المحض نهلت الدراسة طريقة تعاملها مع اللغة من خلال النصوص، ((فإذا كانت لسانيات دي سوسير قد أنجبت أسلوبية بالي، فإن هذه اللسانيات نفسها قد ولدت البنيوية التي احتكت بالنقد الأدبي فأخصبا معاً "شعرية" جاكبسون، و"إنشائية" تودوروف، و"أسلوبية" ريفاتير. ولئن اعتمدت كل هذه المدارس على رصيد لساني من المعارف، فإن الإسلوبية معها قد تبوأت منزلة المعرفة المختصة بذاتها أصولاً ومناهج)) (17)، ما دامت ـ في رأينا ـ أخصب المناهج وأقربها إلى الدراسات اللغوية الحديثة المعتمدة الوصف العلمي منهجاً.

أخذت الأسلوبية من اللسانيات الصفة العلمية الوصفية في الدراسة اللغة، غير أنها درست الخطاب ككل، وما يتركه هذا الخطاب من أثر في نفس المتلقي، في حين نجد أن اللسانيات قد اتجهت إلى دراسة الجملة بالتنظير واستنباط القواعد التي تستقيم بها، والقوانين التي من خلالها تكتسب طابع العلمية.

زودت اللسانيات المنهج الأسلوبي بطابع العلمية الوصفية في دراسة النصوص من خلال لغتها، وبذلك جعلت منه منهجاً علمياً وصفياً ينأى عن الدراسة المعيارية الحكمية، التي وقعت فيها البلاغة القديمة مما ولد عقمها وجمودها.

البلاغة والأسلوبية:

اهتمت البلاغة بدراسة الخطاب دراسة جزئية تقوم على المعيارية واستصدار الأحكام التقييمية، متبعة في ذلك مبدأي التخطئة والتصويب، بناء على تفضيلها للشكل على المضمون مما جعلها في النهاية تصاب بالعقم، في استنطاق النصوص إلى حد ما.

ومع ظهور لسانيات دي سوسير في مطلع القرن العشرين، ودعوته إلى الدراسة العلمية الوصفية التزامنية للغة، ظهرت على أنقاضها الأسلوبية كمنهج بديل، مادامت هذه الأخيرة ((كعلم جديد نسبياً، حاولت تجنب المزالق التي وقعت فيها البلاغة القديمة من حيث إغراقها في الشكلية، ومن حيث اقتصارها على الدراسة الجزئية بتناول اللفظة المنفردة، ثم الصعود إلى الجملة الواحدة أو ماهو في حكم الجملة الواحدة، وهذه الدراسة البلاغية كانت يوماً ما أداة النقد في تقييم الأعمال الأدبية)) (18)، حين كانت الدراسة المعيارية المعتمدة استصدار الأحكام، والحرص على التقيد بالتوصيات المسطرة سلفاً، منهجاً يعول عليه كثيراً في تركيب الآثار الأدبية.

تستمد الأسلوبية علاقتها بالدرس اللساني الحديث بوصفها منهجاً وصفياً علمياً، تنفي عن نفسها المعيارية، وإرسال الأحكام التقييمية، بالقبول، أو بالرفض، ينضاف إلى ذلك، أنها لا تسعى إلى غاية تعليمية البتة، ناهيك عن حرصها الشديد على تعليل الظواهر الإبداعية وبعد أن تقرّر وجودها ههنا جاز لنا أن نقر بأحقية الدراسات الأسلوبية في مقاربتها النصوص الإبداعية، بشيء من العلمية الوصفية، على النقيض مما تعاملت به البلاغة.

الأسلوبية والنقد الأدبي:

مع ظهور البنيوية في القرن العشرين، بتأثير من لسانيات دي سوسير، ودعوتها إلى دراسة النص من الداخل وإقصائها لجميع السياقات الخارجة عن النص، راحت جل المناهج النقدية المعاصرة تحذو حذوها في قراءتها النصوص الأدبية.

نجد الأسلوبية من المقاربات التي اقتصرت في درسها للنص الأدبي على جانبه اللغوي، ((ومن هنا فإن الجانب اللغوي هو مجال الباحث الأسلوبي، أما ما يتصل بالأثر الجمالي، أو تحليل عمل الشاعر، أو الروائي، أو المسرحي وجدانياً، وجمالياً وموقفاً أو سواه فكل ذلك يكون مهمة الناقد الأدبي بعد ذلك)) (19) بصفة أكثر شمولية، وذلك ما يطلع به النقد بشتى اتجاهاته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير