تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تترصد الأسلوبية مكامن الجمال والفنية في الآثار الأدبية وما تحدثه من تأثيرات شتى في نفس القارئ، لما تسمو هذه الآثار عن اللغة النفعية المباشرة، إلى لغة إبداعية غير مباشرة، فنية وأكثر إيحاء وتلميحاً، هذا يحدد مجال الدراسة الأسلوبية، بينما يبقى ((الأسلوب الوسيلة بيانية للكتابة تتحقق على المستوى الفردي، كما تتحقق على المستوى الجماعي بل وتتمايز المراحل التاريخية للفرد أو العصر)) (14) من منطقة إلى منطقة أخرى حسب تركيبتها الثقافية والاجتماعية والفكرية.

وتسعى الأسلوبية كمنهج نسَقي دوماً إلى محاولة مدارسة أساليب الكتاب اللغوي، ومدى تمايزها من خلال قدرة كل كاتب على التمايز في توظيف معجمه الفني من جهة، ومن جهة ثانية مدى استطاعته التأثير في المتلقي عبر اللغة، حينها تكون هاته اللغة تحقق انزياحات بشتى أنواعها سواء أكانت معجمية، أو دلالية، أو نحوية، أو عرفية، أو صوتية.

قد لا نعدو الحقيقة، إذا قلنا إن الأسلوبية مجال درسها الأسلوب، كظاهرة لغوية فنية، تسعى جاهدة إلى الوقوف على نسبية اختلافها من كاتب إلى كاتب، "وبصورة مجملة فإن البحث الأسلوبي إنما يعني بتلك الملامح أو السمات المتميزة في تكوينات العمل الأدبي وبواسطتها يكتسب تميزه الفردي أو قيمه الفنية، بصفته نتاجاً إبداعياً لفرد بعينه، أو ما يتجاوزه إلى تحديد سمات معينة لجنس أدبي بعينه" (15) دون سواه من الأجناس الأدبية الأخرى.

انطلاقاً من الجدل القائم بين مصطلحي الأسلوبية والذي أعرضنا عن الخوض فيه، سعياً إلى مباشرة للأسلوبية كمنهج نسقي يقارب النصوص الأدبية من خلال اللغة الحاملة لها، يمكننا أن نخلص إلى أن الأسلوبية كمنهج نقدي غايته مقاربة النصوص في سياقها اللغوي المتمثل في النص، ومدى تأثيره في القراء، فيجعل من الأسلوب مادة لدراسته، حينها نجد أن هذا الأخير يكون حقلاً خصباً تجد فيه الأسلوبية ضالتها درساً وتطبيقاً.

الأسلوبية واللغة:

تعرف اللغة بأنها مؤسسة اجتماعية تدرس تزامنياً، كما نادى بذلك دي سوسير في محاضراته، وهي مؤسسة اجتماعية لأنها تبحث في لغة جماعة ما، لها خصائصها المختلفة عن جماعة أخرى، في الزمان والمكان.

يقف البحث اللغوي الحديث عند اللغة في شموليّتها، أي في تداولها بين فئة اجتماعية معينة، ليضع لها قواعد صارمة لا يجب الخروج عنها أو تجاوزها، دون تطرقه للغة الفرد من خلال هذه الجماعة، فهذا الأخير في إبداعاته يقوم بتشويه اللغة، بحملها من المألوف إلى المألوف، ولن يكون له ذلك إلا بخرقه لهذه القواعد خرقاً فنياً جمالياً نابعاً من اللغة ذاتها، وهذا ما دأبت على مدارسته الأسلوبية بشتى اتجاهاتها، حيث تبقى أقل شمولية من البحث اللغوية الصرفة، مادامت تجنح إلى الانتهاكات الفردية للغة ومحاولة تعليل ذلك من مستويات ثلاثة: الكاتب، النص والقارئ، كل حسب دوره في عملية التلقي ووظيفته التواصلية. رصداً للقيم التزينية والفنية. وبذلك يتخذ ((الدرس اللغوي مساره تجاه الأصوات ـ المفردات ـ التركيبات وما يتصل بذلك، محدداً هدفه نحو دراسة تلك العناصر، وما يتميز به من خواص معينة، بينما تجعل "الأسلوبية" وجهتها دراسة العلاقات بين تلك العناصر السابقة، ودرجة تمازجها ومدى علاقاتها ومسافة توزعها، ثم يكون ذلك لهدف تال، وهو استشفاف القيم الفنية والجمالية من خلال ذلك التوجه الخاص للظاهرة اللغوية)) (16)، وتفردها عن ظواهر لغوية أخرى في إبداعات فنية لكتاب آخرين.

مما سلف ذكره، يمكننا أن نبقى على مجال البحوث اللغوية في مدارستها للألفاظ والتراكيب، صوتياً، معجمياً، نحوياً، صرفياً، لتأتي البحوث الأسلوبية لرصد العلاقات الكامنة وراء النسيج اللغوي، والعلل الباعثة له من خلال اختلافه عن نسيج لغوي آخر، سعياً وراء كشف الفنية والجمالية في الظاهرة اللغوية، ذات النمط الخاص ضمن الإبداعات الفنية المختلفة شعرية كانت أو سردية.

الأسلوبية واللسانيات:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير