انصبت جهود الأسلوبيين الإحصائيين على مدارسة النصوص الإبداعية، من خلال بنياتها المشكلة لها ومراعاة عدم تكرارها، والبحث عن الصيغ والمفردات التي يركز عليها المبدع دون غيرها، وذلك للوقوف على المعجم الإفرادي والتركيبي والإيقاعي للمبدع ذاته، كما سعت إلى تبيان خصائص اللغة التي اعتمدها الكاتب محاولة منها لتأكيد أن المقاربة الإحصائية للأسلوب يقصد منها تمييز الملامح اللغوية للنص، وذلك من خلال إبراز معدلات تكرار مختلف المعاجم، سواء أكانت إفرادية أم تركيبية أم إيقاعية ونسب هذا التكرار، ولهذا النمط من المقاربة أهمية خاصة في تشخيص الاستعمال اللغوي عند المبدع، وإظهار الفروق اللغوية بينه وبين مبدع آخر، مع ذكر العلل والأسباب إلى حد ما.
ومن رواد المنهج الأسلوبي الإحصائي في الغرب يمكن أن نقتصر على الأسماء الآتية:
ـ برنلد شبلز في مؤلفه "علم اللغة والدراسات الأدبية، دراسة الأسلوب والبلاغة".
ـ كراهم هاف: "الأسلوب والأسلوبية".
ـ جون كوهن: "بنية اللغة الشعرية".
كما نجد تجلي الأسلوبية الإحصائية واضحاً في النقد العربي المعاصر، حيث تركز بين الترجمة والنقد ومحاولات التطبيق على النصوص الإبداعية العربية، ومن النقاد العرب الأسلوبيين الذين برزوا في هذا الاتجاه:
ـ محمد الهادي الطرابلسي "في منهجية الدراسة الأسلوبية"، مجلة الجامعة التونسية نوفمبر 1983.
ـ سعد مصلوح "الأسلوب دراسة لغوية إحصائية"، و"الدراسة الإحصائية للأسلوب، بحث في المفهوم والأجزاء والوظيفة" عالم الفكر العدد 03 أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 1989.
ـ صلاح فضل "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته".
ـ محمد العمري "تحليل الخطاب الشعري".
نخلص في ختام هذا البحث إلى أن البلاغيين العرب الأوائل كانوا ينظرون إلى الأسلوب من خلال سمات القوة والتناسق والجمال، مراعين في ذلك ما يقتضي الحال ا لذي يكون عليه المخاطب، أما بالنسبة للمخاطَب فيشترطون فيه إلمامه بعلوم اللغة من نحو وصرف وبيان وعروض. يشكل هذا لديهم إجماعاً وقلما نجد من أضاف إليه جديداً في مفهوم الأسلوب، مع استثناء "الجرجاني" في نظرية النظم، و"ابن خلدون" في تحديده للأسلوب على أنه صورة ذهنية، وربما نلمس أيضاً توافقهم في جعل الأسلوب توفيقاً بين أطراف الكلام.
لم يخرج كثير من النقاد في مطلع القرن الماضي عن مفهوم أسلافهم بشكل عام إلا أنهم طعموه بنصيب من الثقافة الأدبية والنقدية الأوروبية الحديثة وكان أبرزهم "أحمد أمين" و"أحمد حسن الزيات" ولعل الجدير بالإشارة اهتمامُهم بنظرية "بوفون" في الأسلوب وبخاصة في مجال تجسيد الأسلوب للطبيعة والنفس البشرية.
وتشكل نظرة الأسلوبيين للأسلوب فتحاً مهماً للدراسات النقدية، وذلك انطلاقاً من نظرتهم إلى الأسلوب على أنه انحراف عن المعيار المألوف والمتداول في نظم الكلام الإبداعي، ومن ثم تبقى الأسلوبية المنهج النقدي الذي بوسعه ـ إلى حد ما ـ رصد مكامن الفنية والجمال في النصوص الإبداعية، انطلاقاً من اللغة الحاملة لها، من خلال ماتوفره هذه اللغة من انحرافات فنية محمودة، تجعل منها الأسلوبية حقلاً لدرسها، سعياً إلى فهم النصوص الإبداعية، وبجنوح الأسلوبية إلى الوصف العلمي الذي يبغي الابتعاد عن استصدار الأحكام التقييمية، استطاعت الساحة النقدية الحديثة محاولة الإعراض عن البلاغة وما وقعت فيه في مدارسة الأسلوب، وماكان لها ذلك لولا سيرها على نهج لسانيات دي سوسير، وما نادت به من ضرورة دراسة اللغة لذاتها وبذاتها، وإقصاء السياقات الخارجية، وحينئذٍ حققت الدراسات الأسلوبية نقلة نوعية في تعاملها مع الأسلوب بالوقوف عندما تحققه لغته من انزياحات لغوية.
المصادر والمراجع
1 ـ الأسلوبية والأسلوب/ عبد السلام المسدي، تونس: الدار العربية لكتاب، ط2، 1982م.
2 ـ الأسلوبية منهجاً نقدياً/ محمد عزام، دمشق: وزارة الثقافة السورية، ط1، 1989م.
3 ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب/ نور الدين السدّ، الجزائر: دار هومة، ط1، 1997م.
4 ـ البحث الأسلوبي: معاصرة وتراث/ رجاء عيد، الاسكندرية: دار المعارف، ط1، 1993م.
5 ـ البلاغة والأسلوبية/ محمد عبد المطلب، مصر: الهيئة العامة للكتاب، ط1، 1984م.
6 ـ بنية اللغة الشعرية/ جون كوهن، ترجمة محمد الوالي ومحمد العمري، الدار البيضاء: دار توبقال، ط1، 1986م.
¥