تؤسس الأسلوبية البنيوية لمنهج غايته دراسة النصوص الأدبية انطلاقاً من لغتها، وما تحدثه في تجاور مفرداتها وتراكيبها، في إطار النص كنسق لغوي معزول عن كل اعتبارات تاريخية أو نفسية، لذلك لا يبحث النقاد الأسلوبيون البنيويون عن ملامح أصالة النص في محاكاته للأسيقة بكل أنواعها، بل نجد أن اهتمامهم ينصب على انسجامه النص مع نفسه، ويركزون على مقاربة وحداته التي أسست لتناميه فيبرزون جماليات مكوناته، وثراء دلالاته من خلال تناسق وانسجام أساليبه، فالنص الأدبي من هذا المنظور هو نظم لغوي يعبر عن ذاته بدءاً بانسجام مفرداته وتراكيبه، وعلاقة بعضها ببعض، ومن ثم يجب مقاربته بذاته ولذاته.
تركز الأسلوبية البنيوية على تناسق أجزاء النص اللغوية، ورصد مدى انسجامها علائقياً، حتى تكتسب اللغة من خلال النص صفة الأدبية زيادة على صفة الإبداعية ضمن السياق العام للغة، هذا كله ينبئ بأنها بقدر ما تهتم بالنص لذاته وبذاته، فإنها تهتم كذلك بالمتلقي كعنصر هام في تفعيل العملية الإبداعية، مادام هذا الأخير يقبل على الأثر الأدبي إذا بلغ درجة فنية راقية، تجعله يقع في نفسه موقع الاستحسان والقبول الفنيين، فيتمتع به، ويصغي إلى محمولته الدلالية، وينجذب نحو سحره الظاهر في إطار لغة فنية راقية تسمو عن التواصلية النفعية إلى التأثير الجمالي وتالياً إلى الإبداع والفن.
لقد كان لـ"رومان جاكبسون" الأثر الأعظم في التأسيس للتحليل الأسلوبي وبخاصة البنوي منه، إذ كان منطلقه في ذلك أن ((الأدب أبعد من المعنى، والعمل الأدبي يمثل كل طرائق الأسلوب، وأن الأسلوب هو البطل الوحيد في الأدب)) (37)، ومن ثم قام بالتأسيس الأسلوبية للبنوية ذات الطرح المحايث الذي يجعل من الأسلوب الميدان الأول للبحث والمقاربة.
كما ركز "ميشال ريفاتير" في كتابه "مقالات في الأسلوبية البنيوية" على مقاربة المعالم الكبرى للأسلوب الفني وفقاً للطرح النقدي، مع الإدراك الواعي بما تحققه تلك المعالم من غايات وظائفية، سواء أكانت أسلوبية أم جمالية، انطلاقاً من أن النص بنية خاصة تشكل منظوراً أسلوبياً.
أسس هذا الطرح للتحليل الشكلاني الذي يحلل ويصنف مجموعة الأنساق التكرارية مع التركيز على ملاحظة الأداء البنائي وفق المستويات المتنوعة، مع الاهتمام بمقاربة المستوى الصوتي منه بخاصة.
لقد تشكل الاهتمام لدى الأسلوبية البنيوية بفن الشعر أو فن الأسلوب أكثر الاهتمام سعة وعمقاً، حتى كادت أن تعرف بدراسة الشعر دون الأجناس الأخرى؛ إلا أن هذا المدى الأسلوبي الشكلي، والذي استمد أسسه من الطابع الموضوعي المفرط في المحايثة، لم يسلم من الانتقاد المنهجي من بعض الدارسين، الذين عابوا عليه الانغماس في الطابع اللغوي الجاف متناسياً الجانب المضموني في العمل الأدبي. وهاذ ما دفع إلي بروز اتجاه آخر في الأسلوبية يركز على المناحي الانطباعية ويحاول ملامسة الجوانب الإنسانية في الأعمال الأدبية، وقد عرف بالأسلوبية الأدبية ولقي رواجاً في الدراسات الألمانية ا لتي تستند في كثير من أطروحاتها إلى الفلسفة المثالية.
وجد هذا الاتجاه أقلاماً نقدية عربية حاولت أن تتبنى أطروحاته وتحاول أن تؤسس لها حتى تصبح قراءة لها مجال في الممارسة النقدية العربية المعاصرة، ومن النقاد الذين سعوا إلى ذلك:
ـ فؤاد أبو منصور: "النقد البنيوي الحديث".
ـ عبد السلام المسدي: "محاولات في الأسلوبية الهيكلية".
ـ حمادي صمود: "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة".
محمد العمري: "تحليل الخطاب الشعري".
ـ شكري محمد عياد: "اتجاهات البحث الأسلوبي".
ـ فؤاد زكريا: "الجذور الفلسفية للبنائية.
لقد ترجحت هذه البحوث بين الترجمة ومحاولات التطبيق على النصوص الأدبية العربية، وقيامهم بالنقد أحياناً.
4 ـ الأسلوبية الإحصائية:
تعتمد الأسلوبية الإحصائية، الإحصاء الرياضي مطية للدخول إلى عوالم النصوص الأدبية، دلالة منها على خصائص الخطاب الأدبي في أدواته البلاغية والجمالية إذ ((يهدف التشخيص الأسلوبي الإحصائي إلى تحقيق الوصف الإحصائي الأسلوبي للنص، لبيان ما يميزه من خصائص أسلوبية)) (38) عن باقي النصوص الأخرى.
¥