تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعض الأعصار أو الأمصار المعنى المطلق فقيده بنوع بعينه من الدواب كالخيل أو الإبل، فيحكم على إطلاق الحقيقة اللغوية بالقيد الذي استقر في الأذهان لجريان العرف به.

ثم جاء تلقين المؤمنين: الرد على أولئك بما يبين بطلان تصورهم الفاسد، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فإن ظننتم استقلال غير الله، عز وجل بإيقاع الضر أو النفع فـ: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: والأمر خاص للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار اللفظ فهو من خطاب المواجهة، وهو عام لأمته، باعتبار المعنى، فهو، كما اطرد في هذه المواضع، من خطاب التكليف العام، والأصل بقاؤه على العموم حتى يرد دليل التخصيص، ولا مخصص هنا، بل تلك من مسائل الإيمان بالقضاء والقدر التي لا يتصور تخصيص بعض المكلفين بالإيمان بها دون بعض، فالمباني الرئيسة للإيمان مما يستوي فيه كل المكلفين، فالأصل، كما تقدم، في الشرع، العموم لكل المكلفين، إلا ما ورد تخصيصه ببعض دون بعض، كخصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو ما اختص به بعض الأفراد بالنص على ذلك، فهو خلاف الأصل، فلا بد من نص عليه إذ لا يدرك بقياس العقل، وذلك كاختصاص خزيمة، رضي الله عنه، بأن شهادته: شهادتان، وكاختصاص أبي بردة بن نيار، رضي الله عنه، بالتضحية بالعناق، وكاختصاص سالم مولى أبي حذيفة بحصول الحرمة برضاع الكبير، على تفصيل في ذلك، ليس هذا موضعه.

فقل بصيغة القصر بأقوى أساليبه، وهو قصر حقيقي باعتبار أن كل ما يقع في الكون من الكائنات: أعيانا أو أفعالا، إنما يقع بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، فهو مما علمه أزلا ثم كتبه كتابة كونية لا تبديل لكلماتها، فالكتابة هنا بقرينة السياق الحاصر: الكتابة الكونية النافذة، فليست مادة الكتابة هنا كمادة الكتابة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)، وإن اتحد المبنى والمعنى الكلي، فالسياق قد خص كلا بنوع من أنواع جنس الكتابة الأعلى، على ما اطرد مرارا، من دلالة القرينة السياقية على مراد المتكلم بتخصيص عموم كلامه أو تقييد مطلقه بأفراد او أنواع بعينها، وهو في نفس الوقت: قصر قلب باعتبار اعتقادهم أن الضر أو النفع بيد غير الله، عز وجل، فيتولون فرحين بما ظنوه احتياطا منهم، وما علموا أن السلامة أو الإصابة إنما هي بيد الله، عز وجل، فليست السلامة في مخالفة الأمر الشرعي، وإن وقع لصاحبها سلامة متوهمة بالنجاة من عارض ابتلاء لا يسلم منه أحد، ثم الوقوع عقيبه في مصيبة أعظم بنقصان الدين وتسليط الأعداء جزاء وفاقا، لمن طلب السلامة من البشر بمخالفة أمر رب البشر جل وعلا، فذلك، كما تقدم، مئنة من فساد في التصور: عظيم.

فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فـ: هُوَ مَوْلَانَا: على حد القصر بتعريف الجزأين، ففيه إثبات منطوق، ونفي مفهوم، على ما اطرد من دلالة الإيجاز في القصر، فهو مولانا لا مولاكم، أو هو مولانا ولا مولى لكم، كما جهر بذلك المسلمون يوم أحد، فقد نصوا على المفهوم في يوم أحد إمعانا في تبكيت المشركين، وإن حصل لهم ظهور مؤقت على أهل الإيمان ابتلاء وتمحيصا، فامتثل المؤمنون مع عظم مصابهم الحكم الشرعي: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، واكتفى هنا بالمنطوق لدلالته على المفهوم لزوما ففيه تعريض بهم بإثبات الولاية الربانية لحزب المؤمنين دون غيرهم، فالمفهوم بنفي ولابة الله، عز وجل، لهم يسلبهم أعظم كرامة لو فقهوا، فلا ينفعهم ما يقع لهم من الظهور العارض، إذ مآله في الدنيا والآخرة إلى الخسران، ومآل المؤمنين إلى الفوز والنجاة وإن ظهر عليهم عدوهم حينا بل أحايين، كما هو الواقع في زماننا، فـ: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، وإنما يكون النصر لمن استوفى شروطه، وأولها السير على طريق الرسل عليهم السلام، فلا نصر إلا بتعظيم النبوة تصديقا بأخبارها وامتثالا لأحكامها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير