تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ: فنكر العذاب تعظيما، وجاءت الإصابة بصيغة المصدر المؤول فهو آكد في الدلالة من المصدر الصريح فضلا عن تمحضه للمستقبل إن لوحظ في: "أن" دلالتها الاستقبالية مع دلالتها المصدرية فهو أمر يتجدد بتجدد سببه وذلك آكد في تحري عدم الوقوع فيه، فإما عذاب من الله، عز وجل، كما حل بأعداء الرسالات في كل عصر ومصر، فتلك من السنة الكونية الجارية التي لا زالت آثارها باقية إلى يوم الناس هذا فـ: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، وإما عذاب بأيدينا قد دلت عليه مواضع أخر من التنزيل كقوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)، فهذه في شأن الكفار عموما، و: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)، فهذه في شأن المنافقين خصوصا، فحصل البيان بمواضع أخر من التنزيل، على ما اطرد مرارا، من تفسير آي الكتاب بآي الكتاب.

ثم جاء الأمر في معرض الحض المجازي، كما سماه صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فلا يخلو من استخفاف واستهزاء، فقرينة السياق دالة على إرادة التهكم بهم بأمرهم بالتربص، على وزان قولك في زماننا لمن تستخف به: أرني ما الذي تقدر عليه!.

فتربصوا، فمقابل تربصكم: إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ، والجملة الاسمية، كما اطرد في كلام البلاغيين، أقوى في الدلالة على ثبوت المعنى من الجملة الفعلية، فتربص المؤمنين بهم أعظم، فالتذييل بها جار مجرى التهديد ومنزل منزلة العلة لما قبله، فعلة الحض، أو ما يشبه أن يكون علته: أننا مع تربصكم متربصون، فتربصوا كيف شئتم فعلة الإذن لكم فيه أننا معكم منتظرون ما يوقعه الله، عز وجل، بكم، بجنده الغيبي، أو بأيدينا من صنوف العذاب والإهلاك أسوة بمن تقدمكم من أعداء الرسالات، فتلك، كما تقدم، سنة كونية جارية.

ومع خصوص اللفظ بالفئة المؤمنة في عصر الرسالة إلا أنها معناها، كما اطرد في عمومات التنزيل من كون العبرة بعموم لفظها لا بخصوص سببها، إلا أن معناها عام في كل فئة مؤمنة حققت شرائط التمكين فينفي الله، عز وجل، عنها خبث المنافقين، كما نفي عن الجماعة الأولى، وهو الخبث الذي أنهك جسد الجماعة المسلمة في زماننا، وإن كان النفاق قد استعلن في السنوات الأخيرة لا سيما مع ضعف أو غياب سلطان الشرع الرادع في كثير من أمصار المسلمين فجاهر كثير من المنافقين بمكنون صدورهم، وذلك مع كونه محنة عظيمة إلا أنه منحة من جهة كونه أثرا من آثار حكمة الرب، جل وعلا، فبه يتميز المؤمن من الكافر، والصالح من الطالح، فالشدائد تظهر معادن النفوس فـ:

جزى الله الشدائد كل خير ******* عرفت بها عدوي من صديقي

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير