تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والسياق غير حاصر فله عشر أمثالها، وذلك لا يمنع الزيادة فـ: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فجاء البيان في موضع آخر من التنزيل، و: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)، فله خير منها، على تقدير: فله حسنة خير منها، فإن الحسنة، كما تقدم، تحتمل المعنى الشرعي وهو فعل العبد، وتحتمل المعنى الكوني وهو فعل الرب، جل وعلا، فمن جاء بجنس الحسنة الشرعية فله خير منها من جنس الحسنة الكونية، فـ: "أل" في كليهما لبيان الجنس، فلا يعدل فعل العبد وإن عظم فعل الرب، جل وعلا، ولا تعدل عبادة مهما عظم وصفها وقدرها، مقابلها من ثواب الرب، جل وعلا، الذي هو أثر وصف جماله، جل وعلا، بالإنعام الخاص على عباده المؤمنين، فضلا عن إنعامه العام على جميع الخلائق، فإن ذلك داخل، أيضا، في حد الحسنة الكونية، وجاء الجزاء على جهة الاختصاص بتقديم ما حقه التأخير فله، على جهة الاختصاص: فضلا من الرب، جل وعلا، عشر أمثالها، وفي المقابل: استيفاء للقسمة العقلية: ففي السياق طباق بالإيجاب بين الحسنة الشرعية ونظيرها من السيئة الشرعية، وسياق الجزاء مئنة من إرادة فعل العبد، فتلك قرينة سياقية رجحت، أيضا، المعنى الشرعي على المعنى الكوني، كما تقدم، فإنه لا جزاء على ما يصيب الإنسان من العوارض الكونية التي لا حيلة له في دفعها أو رفعها، فإن تعلق بها التكليف فمن جهة ما يترتب عليها لا من جهة وقوعها، فوقوعها، كما تقدم، مما لا حيلة للعبد فيه، وإنما يناط التكليف بالمقدور البشري.

فمن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، وذلك، أيضا، من فضل الرب، جل وعلا، فلم يجز على السيئة إلا مثلها، بل يبدلها حسنات لمن تاب وأناب، فذلك فضله يؤتيه من شاء وهو ذو الفضل العظيم.

ومن جهة أخرى فإن الجزاء يحتمل أن يكون كونيا، وهو المتبادر إلى الذهن، أو شرعيا فإن من جزاء الطاعة: الطاعة، ومن جزاء المعصية: المعصية، فييسر، جل وعلا، الطائع إلى مزيد طاعة بفضله فـ: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ)، فيهديهم في الدنيا إلى مرضاته لما سبق في علمه من حسن خاتمتهم، وييسر العاصي إلى مزيد معصية بعدله، و: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، فـ: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)، فيؤول السياق إلى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها من الجزاء الكوني أو التوفيق الشرعي إلى طاعات أخرى يحصل له بها مزيد ثواب أخروي، بمقتضى فضل الرب، جل وعلا، فضلا عما يجده من آثارها في الدنيا، وكذلك من جاء بالسيئة فله مثلها من العقوبة الأخروية بمقتضى عدل الرب، جل وعلا، فضلا عما يجده من آثارها في الدنيا، فللمعصية شؤم لا ينكر قد ظهرت آثاره جلية في حال العصاة، فهم من أفسد الناس حالا، وتلك عقوبة معجلة فضلا عن العقوبة المؤجلة في دار الجزاء إلا أن يعفو الرب، جل وعلا، عن العاصي، إن كان من أهل التوحيد الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.

وإلى طرف من ذلك أشار ابن القيم، رحمه الله، بقوله:

"وقد يقال: إن المعنيين جميعا مرادان باعتبار أن ما يوفقه الله من الطاعات فهو نعمة في حقه أصابته من الله كما قال: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} فهذا يدخل فيه نعم الدين والدنيا وما يقع منه من المعصية فهو مصيبة أصابته من الله وإن كان سببها منه والذي يوضح ذلك أن الله سبحانه إذا جعل السيئة هي الجزاء على المعصية من نفس العبد بقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} فالعمل الذي أوجب الجزاء أولى أن يكون من نفسه فلا منافاة بين أن تكون سيئة العمل من نفسه وسيئة الجزاء من نفسه ولا ينافي ذلك أن يكون الجميع من الله قضاء وقدرا ولكن هو من الله عدل وحكمة ومصلحة وحسن ومن العبد سيئة وقبيح وقد وري عن ابن عباس أنه كان يقرأها: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وأنا قدرتها عليك وهذه القراءة زيادة بيان، (فهي قراءة تفسيرية)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير