تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ". فيكون ذلك من بيان مجمل التنزيل بالتنزيل.

وقد جاء ذكر الإرسال هنا ماضيا: (أَرْسَلَ الرِّيَاحَ) فذلك مئنة من وقوع الفعل فهو مما شاهدته كل عين ووعاه كل عقل، فيكون ذلك آكد في بيان المعنى وتقريره، أو يكون ذلك من استعارة الماضي للمضارع، على وزان قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، أي: سيأتي بقرينة: (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) فهي دليل على عدم وقوعه فلما يقع بعد، فأرسل، أي أرسل في الماضي وسيرسل حتما في المستقبل لاطراد السنة الكونية فيكون الماضي، كما تقدم، مئنة من توكيد الفعل الرباني بإرسال السحاب.

وجاء في سورة الأعراف على حد المضارعة: (يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) فيفيد الاستمرار والتجدد من وجه، واستحضار الصورة من وجه آخر، فيكون السياقان قد استوفيا الزمان كله: ماضيه وحاضره ومستقبله، فيلتئم بذلك معنى الآيتين ويكتمل بضمهما الاستدلال، على ما اطرد من كلام المحققين من أهل العلم من جمع أدلة الباب لتكتمل بذلك صورة الاستدلال.

وآية الأعراف: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، من وجه آخر مبينة لمجمل آية الفرقان، فقد انتقلت آية الفرقان من إرسال السحاب إلى نزول المطر مباشرة بينما فصل ذلك في آية الأعراف، فإنشاء للسحاب وسوق له إلى البلد الميت ثم إنزال للماء فإخراج للثمرات، فيكون ذلك، أيضا، من تبيين مجمل التنزيل بالتنزيل، وهو مما يؤكد مجددا على ضرورة جمع أدلة المسألة فذلك مظنة الإصابة.

فالرب، جل وعلا، يحدث في كونه من صور الإرسال الكوني للرياح أو الأمطار ...... إلخ ما شاء، وذلك الإحداث مئنة من كمال قدرته وعموم مشيئته، فذلك من أظهر الأدلة على توحيد ربوبيته، ولا يكون ذلك إلا لمن اتصف بصفات الكمال: جلالا فهو القدير الفعال لما يريد، وجمالا فهو العليم الحكيم الخبير، فذلك توحيده بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فعنه يصدر كمال توحيده بأفعال الربوبية، فمتى صح علم العبد من هذين النوعين من التوحيد تولد منه لزوما صحة عمله بتوحيد الرب، جل وعلا، بأفعال التأله، فاكتمل له التوحيد: علما بأسماء الرب، جل وعلا، وصفاته وأفعاله التي هي أثر صفات كماله، وعملا بفعله تألها لذلك الإله الكامل، وتلك هي كبرى المسائل، بل ما خلق العالم إلا لتقريرها، فهذه الآيات مع وجازة عبارتها قد استوفت هذا المعنى الجليل، وكذلك كل سياق وردت فيه الإشارة إلى كمال الرب، جل وعلا، إيجابا وإرشادا إلى وجوب إفراده بالألوهية، فذلك، هو قياس العقل الصريح، فإن من له كمال الصفات على جهة الإطلاق، ومن له كمال الأفعال على جهة الإتقان في مقابل خلو غيره من تلك الأوصاف والأفعال، فهو المنفرد بها، فلا بد أن يكون هو الإله الحق الذي يفرد بكل صور التعبد المعقولة والمحسوسة، الباطنة والظاهرة، فلا يخشى إلا هو، ولا يسجد إلا له، ولا يرد نزاع إلا إلى شريعته فكل شرائع الوضاعين في هذا الباب باطلة فبطلانها من جنس بطلان أحاديث الوضاعين في باب السنة، ويكاد أثر هذا التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية يظهر أثره في كل موضع من التنزيل.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير