تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الَّذِي كَذَّبَ: فذلك الاعتقاد، وَتَوَلَّى: فذلك الفعل الصارد عنه على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين التصور الباطن والحكم الظاهر، والوصف بالموصول مئنة من زيادة التنصيص بذكر أوصافهم تحديدا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فهي محط الفائدة على ما اطرد من تعليق الحكم حال التعريف بالموصول على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، فهم الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذلك فسادهم العلمي، وهم الذين أعرضوا عنه فذلك فسادهم العملي.

وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى: فـ: "أل" هنا كـ: "أل" في: "الأشقى"، فإما أن تكون عهدية تشير إلى معهود بعينه هو الصديق، رضي الله عنه، على ما ذكر في سبب نزول الآية، فهو قرينة سمعية دالة على مراد المتكلم، وإما أن يكون المراد عموم المعنى، فلا يمنع اختصاص الصديق، رضي الله عنه، بدرجة عليا منه، فهو خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من دخول غيره معه فيه، فذكر فرد من أفراد العموم في معرض التنويه بشأنه لا يخصصه.

الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى: فالحال مقيدة في معرض التنويه بالمعطي على جهة التقوى، بخلاف الكفار الذين يعطون رياء وسمعة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله. فدلت على التنويه بالثناء دلالة منطوق، ودلت على التعريض بالذم دلالة مفهوم، فالحكم قد تغير بتغير الوصف المؤثر، فوصف التقوى مظنة الثناء، ووصف الكفر والعصيان مظنة الذم، فلا يستوي عطاء الأول فهو مقبول، وعطاء الثاني فهو مردود.

وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى: فذلك من التذييل بالاحتراس فناسبه توكيد النفي بدخول: "من" على النكرة فأفادت التنصيص على العموم، فليس لأحد عنده من أي نعمة: دقت أو جلت، تجزى فعطاؤه قد بلغ الغاية من الإخلاص والنصح.

إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى: فذلك من الاستثناء المنقطع، فما فعل ذلك إلا ابتغاء وجه الرب، الموصوف بالعلو وهو يعم كل صور العلو الذاتي والوصفي، ووصف الأعلى أليق بمعنى العطاء على جهة العبودية التي يتقرب فيها الأدنى من الأعلى بأجناس الطاعات الظاهرة والباطنة.

وَلَسَوْفَ يَرْضَى: فدخلت اللام توكيدا، و أفادت سوف تحقق الوعد في المستقبل، فذلك من قبيل الوعد في قوله تعالى: (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي)، وأطلق فعل الرضى، فتقدير الكلام: ولسوف يرضى بالثواب الجزيل، فالحذف إرادة الإبهام تنويها بعظم الجزاء.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير