تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء الجواب: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى: فـ: "أل" عهدية تشير إلى الجنة، فذلك من قبيل العلم بالغلبة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من قبيل: "المدينة" علما على المدينة المنورة، حرسها الله عز وجل، و: "الكتاب" علما على كتاب سيبويه رحمه الله، فييسر لها، تيسيرا عاجلا لدلالة السين على التعجيل، بتيسير أسبابها، كما في حديث علي، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"، فالتعجيل بذلك مئنة من كمال عناية الرب، جل، لمن اصطفاه لطاعته فيسر له أسبابها.

وعلى سبيل المقابلة:

وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى: فمقابل الإعطاء: البخل، ومقابل الانقياد بالطاعة على جهة التقوى: الاستغناء والتولي عنها فذلك مئنة من فساد حال الفاعل علما وعملا، فلو تصور ما يتقى من وصف جلال الرب، جل وعلا، وآثاره من صور النقمة والعذاب، ما استغنى، فالزيادة في المبنى مئنة من مبالغته في إظهار التولي والاستغناء وذلك آكد في استحقاقه للذم، فالزيادة هنا تفيد القوة في الوصف فهي من قبيل: استكبر إذا قوي كبره، كما ذكر ذلك صاحب "شذا العرف" رحمه الله.

وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى: فذلك مقابلة لقوله تعالى: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى).

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى: فذلك مقابلة لقوله تعالى: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، فـ: "أل" هنا أيضا: عهدية تشير إلى النار فالعسرى كاليسرى قد صارت من هذا الوجه علما بالغلبة على دار العذاب.

وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى: فتحتمل: "ما" الاستفهام الإنكاري الإبطالي في معرض الذم، وتحتمل النفي، ومؤدى القولين واحد وهو نفي انتفاعهم بما بخلوا به من المال، فالجزاء قد جاء على نقيض مرادهم فقد بخلوا طلبا للغنى بالمال، فلم يغن عنهم شيئا، فذلك آكد في التقريع والتوبيخ، وأنكى في النفس إذ ما ظنته سبب نجاتها قد صار سبب هلاكها.

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى: فقدم ما حقه التأخير مئنة من الحصر والتوكيد فله، جل وعلا، وحده، الهدى الشرعي بإرسال الرسل، عليهم السلام، فبهم تحصل هداية الإرشار والبيان، فمع كون ذلك للرسل، عليهم السلام، إلا أن مرده ابتداء إلى مرسِلهم، جل وعلا، فالرسول لا يعمل إلا بأمر مرسِله، والرسول لا يبلغ إلا ما أمر بإبلاغه، وله، وحده، تبارك وتعالى، هداية التوفيق والإلهام، فذلك من القدر الكوني الذي لا يقع إلا بمشيئته العامة النافذة.

وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى: فذلك مئنة من عموم ملكه، تبارك وتعالى، وهو مشعر بفضله، جل وعلا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فنعم الدنيا والآخرة كلها منه جل وعلا.

فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى: فنكرت النار تعظيما وجاء وصفها بشدة الالتهاب والاشتعال إمعانا في الإنذار.

لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى: فذلك من القصر الحقيقي، فلو حملت: "أل" على العهد الذهني فتشير إلى جنس بعينه هو: جنس الكفار الأصليين ومن كان على طريقتهم من أهل الردة والنفاق الأكبر، فذلك دليل على إرادة نار بعينها هي النار التي لا تفنى ولا تبيد، فأهلها فيها خالدون، ولو حملت على جنس العصاة فذلك دليل على إرادة نار العصاة التي تفنى بخروج أهلها منها، فذلك أحد الأقوال في مسألة فناء النار فيفنى بعضها دون بعض، ولو حملت على كافر بعينه هو: أمية بن خلف الذي عذب بلالا، رضي الله عنه، حتى أعتقه الصديق، رضي الله عنه، فهو المراد بـ: "الأتقى"، لو حملت على فرد بعينه من أفراد الجنس، فذلك جار على ما اطرد من دلالة "أل" الداخلة على اسم التفضيل على العهد، وذلك أخص درجاته بقصره على فرد بعينه وقد رجح صاحب "الأضواء"، رحمه الله، العموم المعنوي على الخصوص اللفظي، فتشمل جميع أفراد الكفار، وذلك أليق بما اطرد في خطاب الشارع، عز وجل، من العموم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير