تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وقال: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} وقال: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} وهذا كثير فأضاف هذه الأفعال إلى نفسه إذ هي واقعة بخلقه ومشيئته وقضائه وأضافها إلى أسبابها إذ هو الذي جعلها أسبابا لحصولها بين الإضافتين ولا تناقض بين السببين". اهـ

"شفاء العليل"، ص277.

و: "أل" في: "العذاب": جنسية، فلا عهد فيها يشير إلى عذاب بعينه، فالسياق، كما تقدم، عام، لاطراد السنة الكونية، بوقوع العذاب عقيب التكذيب والإمهال، وإن كان بمقتضى ما تقدم من خطاب المواجهة لقريش والتعريض بها لانطباق تلك الأوصاف عليهم، ينصرف أول ما ينصرف إلى قريش، فهم آكد أفراد هذا العموم دخولا تحت حكمه، وإن كان غيرهم داخلا معهم لاطراد السنة الكونية، كما تقدم، فالحكم عام يدور مع علته وجودا وعدما، وقيد الأخذ بحال الظلم، وهو هنا محمول على الظلم الأعظم: الكفر، إذ تقدم ذكره في الآية السابقة: (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ)، وتلك قرينة سياقية متقدمة يحمل عليها وصف الظلم الذي ذيلت به الآية التالية، فذلك جار مجرى دلالة المتقدم على المتأخر، فيدل على مبناه إن كان محذوفا، كما في قوله تعالى: (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)، أي: وظلها أيضا دائم، ويعين معناه إن كان مجملا يحتمل أكثر من معنى، فالظلم برده إلى دلالته المعجمية الأولى يدل على: وَضْع الشيء في غير موضِعه، كما ذكر ذلك صاحب "اللسان" رحمه الله، في مادة: "ظلم"، فيحتمل الظلم المعهود بسلب الحقوق أو منحها لغير أصحابها، فذلك نقيض العدل المعهود، ويحتمل أعظم صور الظلم وهي: الكفر ففيه يضع الظالم حق العبادة، وهي لا تكون إلا للإله المعبود بحق، تبارك وتعالى، يضعه في غير موضعه، فيسجد لغير الله، عز وجل، أو يحكم بغير ما أنزل وشرع على جهة المعاندة، أو المداهنة للكافرين وإن لم يكن مستحلا، وذلك مناط عام لا يتحقق في كل صورة بعينها إلا بعد إقامة الحجة الرسالية التي لا يقيمها أي أحد بل ذلك منصب قد تفرد به العلماء الربانيون فلا يظلمون بإطلاق الأحكام قبل استيفاء الشروط وانتفاء الموانع ولا يداهنون وينافقون كما هي حال علماء السوء في زماننا وما أكثرهم وما أبرد نفاقهم!، فالظلم هنا من جنس الظلم في نحو قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فالسياق هنا قد دل، أيضا، على إرادة الظلم الأكبر، وهو الكفر، وإن كان السياق محتملا لأنواع شتى من الظلم منها الأكبر ومنها الأصغر، فقرينة وصف من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، وذلك باستقراء آي التنزيل لا يطلق إلا على الكفر الأكبر، بل يدل إطلاق هذا اللفظ في سائر نصوص الشريعة المنزلة على الكفر الأكبر إلا لقرينة من نص أو إجماع، كما قد قرر ذلك جمع من المحققين، تلك القرينة المتقدمة قد عينت المراد من الوصف المتأخر فدلت على إرادة الظلم الأكبر دون سائر أنواع الظلم.

فالتقييد بوصف الظلم الأكبر، على ما تقدم بيانه، آكد في نفي الظلم عن الرب، جل وعلا، فهو من قبيل القيد الاحترازي، فلم يظلمهم الرب، جل وعلا، وإنما نزل بهم العذاب فرعا عن استحقاقهم له بمباشرة أعظم الأسباب الجالبة له، وهو الكفر بالله عز وجل.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير