تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالرمح: فاعل بالطبع إذ قد أودعت في نصله قوى الجرح والقتل، فهذا محل إجماع، وإنما وقع الخلاف في نسبة الإرادة إليه، هل هي نسبة حقيقية، أو مجازية، فدلالة الإمكان العقلي تجوز قيام الإرادة به، والإمكان لا بد له من موجب، فليست دلالة الإمكان العقلي في حد ذاتها دليلا صالحا للإيجاب، فغايتها إثبات الجواز، وهو أمر محتمل، فجاء النص: (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)، موجبا مرجحا لجهة الإيجاب العقلي على جهة المنع، فصحت نسبة فعل الإرادة إليه من هذا الوجه دون حاجة إلى القول بالمجاز، فضلا عن إمكان القول بتضمين فعل الإرادة معنى فعل الميل، فيستعار معنى الميل، وهو معنى يصح إطلاقه على الرمح على جهة الحقيقة بالإجماع، لفعل الإرادة الذي وقع فيه النزاع، فيرد الخلاف إلى معنى قد وقع الإجماع على صحة إطلاقه، فيزول بذلك الخلاف، والتضمين، أيضا، مما عرفته العرب في لسانها، وشواهده من كلامها كثيرة باستقراء نصوص زمن الاحتجاج.

فالماء يطغى، بمعنى الزيادة، ونسبة فعل الزيادة إلى الماء جائزة بالإجماع فالحس يدركها على جهة الحقيقة المشاهدة، فارتفاع الماء من جملة العلوم الضرورية التي يدركها كل أحد.

و: "أل" في "الْمَاءُ": جنسية لبيان الماهية، وفيها وجه استغراق للعموم باعتبار عموم الطوفان، وإن لم يكن الماء آنذاك هو كل الماء المخلوق بداهة، فالعموم من هذا الوجه: عرفي، يدل على عموم الطوفان الذي أجرى الرب، جل وعلا، ماءه انتصارا لنبيه نوح عليه السلام.

حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ: فنسبة الحمل إلى الرب، جل وعلا، نسبة حقيقية باعتباره الفاعل بكلماته الكونية النافذة، فأمر ينابيع الأرض أمرا كونيا فانفجرت، وأمر نوحا، عليه السلام، أمرا شرعيا فصنع الفلك، وأمر الماء فحمل السفينة بمن فيها، فمرد الأمر إلى كلماته الكونية النافذة التي كان بها خلق السفينة، فهو خالق مادتها، وخالق صانعها، وخالق القوة الفاعلة فيه، وخالق الإرادة فيه، وخالق الفعل فيه بتقطيع أخشابها وتركيب أجزائها، فـ: (اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ): فخلق الفاعلين ومفعولاتهم، على القول بموصولية: "ما"، وخلقهم وفعلهم الذي وقع به المفعول على القول بمصدرية: "ما". فنسبة الفعل تتباين بتباين من ينسب إليه، فقد نسب في هذا السياق إلى الرب الخالق، عز وجل، فتلك: نسبة فعل كوني إلى فاعله الخالق المكون للمفعول المخلوق بكلماته الكونية النافذة، فجهة الإرادة الكونية في هذه النسبة ظاهرة، بخلاف النسبة في نحو قوله تعالى: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ): فتلك: نسبة فعل إلى فاعله المخلوق، فجهة الإرادة الشرعية في هذه النسبة ظاهرة، فهو أمر شرعي من الرب، جل وعلا، إلى عبده، بخلاف الأمر الكوني في آية الحاقة، فتباينت النسبة واختلف المعنى بتباين من أسند إليه الفعل.

وحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه على تقدير: في السفينة الجارية، وفي اختيار وصف الجارية نوع ملائمة لسياق زيادة الماء وطغيانه، ونسبة فعل الجريان إليها من قبيل نسبة فعل الزيادة إلى الماء، فهي تجري بجريان الماء، فجريانها بسبب خارج عنها وهو الماء الذي يحملها فتلك العلة الظاهرة، وهي تجري بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ فهو العلة الأولى لكل العلل الظاهرة فبه صدر الكون بأعيانه وأفعاله، فتنسب إلى فاعليها على جهة الفعل، وتنسب إلى باريها، عز وجل، على جهة الخلق، على ما اطرد بيانه في باب القدر، فلكل فعل مخلوق نسبتان: نسبة إلى خالقه بالإرادة الكونية الخالقة، ونسبة إلى فاعله المخلوق بالإرادة البشرية المخلوقة التي ركزها الرب، جل وعلا، في كل مكلف، فمنها المصحح للفعل وهو الذي يتعلق بالتكليف، ومنها الموجب للفعل، وهو قدر زائد يمتن به الرب، جل وعلا، في باب الشرع، على من اصطفاه لطاعته.

و: "أل" في الجارية عهدية من جهة إشارتها إلى جارية بعينها هي السفينة التي حملت نوحا عليه السلام ومن معه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير